تارث الخلافات من جديد بين الأطراف السياسية في ليبيا حول تطوير حقل الحمادة ،بعد اعتراض كل من وزارة النفط بحكومة الوحدة الوطنية ،والنيابة العامة، ومجلس النواب ،ومجلس الدولة على خلفية المفاوضات التي تقوم بها
المؤسسة الوطنية للنفط بشكل مباشر مع ائتلاف عدد من الشركات الأجنبية هي : ايني الإيطالية و توتال الفرنسية وادنوك الإماراتية للقيام بتطوير حقل MN7 الواقع بالحمادة الحمراء، مقابل منح ائتلاف هذه الشركات نسبة 40% من أجمالي الانتاج .
وجاء في اعتراض وزارة النفط بحكومة الوحدة الوطنية إن حصة الائتلاف المقررة ب 40% مرتفعة جدا وغير مسبوقة ،مقارنة بالحصص المعمول بها في ليبيا،ومخلة بتوازن العقود النفطية في ليبيا، ومخالفة للترتيبات التعاقدية النفطية المعمول بها في الدولة، وان هذا الاتفاق قد يدفع الشركات النفطية الأخرى للمطالبة بتعديل عقودها وزيادة نسبتها في الانتاج. وأوضحت الوزارة ان الدراسات تشير إلى أن الحقل يحتوي على احتياطات تشمل 13تريليون قدم مكعب من الغاز، وحوالي مليار برميل نفط خام، 180مليون برميل مكثفات غازية،وبالتالي فإن هذا الاتفاق يعد تفريط في ثروة الليبيين.
من جهته ،اعتبر المجلس الأعلى للدولة في بيان له قبل أيام ان إجراءات التعاقد بخصوص حقل الحمادة يعد تفريطا في المقدرات العامة ،ومثالا صارخا على مخالفة التشريعات الوطنية النافذة ،وخرقا واضحا لنصوص الاتفاق السياسي الليبي بالصخيرات والوثائق الدولية ذات الصلة .
وحسب عضو المجلس الأعلى للدولة ابراهيم صهد ان المعلومات المتوفرة عن حقل الحمادة الحمراء تفيد بعدة معطيات: اولها،ان الحقل مكتشف بالفعل، وتانيها،انه يتوفر على كميات كبيرة تجارية من النفط والغاز والمكثفات، وثالثها، ان الاحتياجات المطلوبة لإنتاج الحقل لاتتطلب استثمارات مالية اجنبية .
وتشير بعض المصادر المفاوضات لاتقتصر على تطوير حقل الحمادة، بل ان هناك مفاوضات مماتلة قائمة الان بين المؤسسة الوطنية للنفط وشركة اركنو التركية لاستثمار حقل الطهارة Nc4 وحقل النظيف 59 وحقل سلطان Nc129،رغم ان هذه الشركة تأسست في العام 2023ولاتملك خبرة كبيرة في مجال الاستثمار والتطوير النفطي كما ان مدير هذه الشركة كان يشغل سابقا مدير إدارة التطوير بشركة الخليج العربي المالكة لهذه الحقول.
وحسب أراء بعض المختصين ان المفاوضات والاتفافيات التي تعقدها المؤسسة الوطنية للنفط منذ تكليف فرحات بن قدارة برئاسة المؤسسة ،اصبحت تدخل فيها الاعتبارات والمصالح السياسية بشكل كبير، وأن هناك اصرار من قبل بعض الأطراف السياسية على إدخال هذا القطاع الذي يمثل مصدر قوت الليبيين الوحيد في دوامة الصراعات السياسية،واستثماره في تحقيق مكاسب سياسية خاصة، وقد ينجم عن ذلك زيادة محاولات بعض الدول الحصول على استثمارات نفطية، من خلال عقود مجحفة،ومضرة بمصلحة الليبيين.
يقول الخبير الليبي ومستشار شؤون النفط والغاز طارق ابراهيم ان امتياز الشركات الثلاث المشار اليها هو امتياز سياسي بحث ،كون كل البيانات والأبحاث التي ثم العمل عليها من قبل خبراء النفط والطاقة اثبتت ان كمية الهيدروكربونات المتوقع إنتاجها من هذه القطعة ستكون كبيرة جدا، وذات مردود اقتصادي عال جدا، وأن مايحدث هو تفريط في ثروة الليبيين.
ورغم الاعتراضات التي اثيرت حول هذه المفاوضات، فقد دعا الدبيبة إلى الاستمرار في أجراءات تطوير حقل الحمادة النفطي، وذلك بعد معالجة الملاحظات الفنية أو القانونية، وضمان شفافية الإجراءات وسلامتها. ويمثل موقف الدبيبة تحديا لمعارضي اتفاقية تطوير حقل الحمادة،ورغبة في استثمار هذا الموقف لاغراض سياسية تخدم مصلحته،
وينتظر إن يشهد ملف تطوير الحقول النفطية في الأيام القادمة المزيد من الخلافات السياسية،خاصة بعد زيارة رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة لايطاليا، والحديث الذي يدور حول أحياء معاهدة الصداقة الليبية الإيطالية التي ثم توقيعها في العام 2008،التي تشمل اتفاقات نفطية.
ويبدو واضحا ان الدبيبة يواجه موقفا داخليا صعبا، لاعتبارات سياسية أو نتيجة تهم الفساد التي تلاحق حكومته، كما إن الدبيبة قد يجد نفسه في موقف حرج مع الأطراف الخارجية صاحبة العلاقة بالمفاوضات النفطية، خاصة تركيا وإيطاليا، التي يعول عليها الدبيبة في دعم موقفه السياسي في مواجهة خصومه .
من جهة تانية ،من المنتظر ان يزيد الصراع الأمريكي الروسي من حدة الاستقطاب الدولي على الطاقة في ليبيا، خاصة في ظل ما كشفت عنه إدارة معلومات الطاقة الامريكية من أن ليبيا تملك مخزونا ضخما من النفط والغاز الصخريين، تضعها في المرتبة 5عالميا بعد روسيا والولايات المتحدة والصين والأرجنتين، وترفع العمر الافتراضي لإنتاج النفط من 70عاما إلى 112عاما. .وأن تقييم احتياطات النفط والغاز الصخري في ليبيا يصل إلى مايقرب 942 تريليون قدم مكعب من الغاز، 6131 مليار برميل من النفط الصخري.،كل ذلك يزيد من منسوب الصراع بين الأطراف السياسية المستفيدة، ويزيد من الاطماع الدولية في نهب ثروة الليبيين.
بقلم: الدكتور مسعود المهدي السلامي: أستاذ الاقتصاد السياسي