رغم التحديرات المتعددة والرفض العلني لتداعيات قرار رئيس مجلس النواب عقيله صالح رقم 15لسنة 2024بفرض ضريبة 27%على مبيعات النقد الأجنبي لجميع الأغراض والتي اعلنتها العديد من الجهات الرسمية والسياديةوالشعبية ، وايضا من قبل العديد من خبراء الاقتصاد والمال في ليبيا، والمؤسسات المالية الدولية ،التي حذرت كلها من مغبة تطبيق القرار والآثار السلبية المتعددة التي تنجم عن فرض الضريبة على حياة المواطن وعلى بنية الاقتصاد، وعلى قيمة الدينار ومايخلفه القرار من تبعات أخرى غير منظورة تخلق تشوهات في بنية الاقتصاد، وتنعكس سلبا على حياة المواطن.
ورغم هذا الرفض المتواصل بدأت المصارف التجارية العامة والمصارف والخاصة بتوجيه من محافظ مصرف ليبيا المركزي بتطبيق فرض الضريبة،وتحميلها على المواطن البسيط، الذي يدفع في كل مرة ثمن القرارات العشوائية للمتحكمين في المشهد السياسي والاقتصادي في ليبيا.
وحسب المحللين السياسيين ومن خبراء الاقتصاد ان هذه الخطوة التصعيدية من قبل الكبير تأتي في إطار المناكفات والصراعات السياسية بين الأطراف السياسية المتحكمة في مفاصل السلطة والمال ،وسعي كل طرف من هذه الأطراف لتحقيق مصالحها الفردية والمناطقية على حساب راحة المواطن الذي أثقل كاهله تبعات الفساد والنهب والسرقة الذي تتقاسمه هذه الأطراف، كما أنه يأتي بعد الخلاف الذي نشب مؤخرا بين الحليفين السابقين رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة ومحافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير على خلفية التحالف بين عقيلة صالح والكبير الذي يهدف لاسقاط حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها الدبيبة.
والسؤال: ماهي تبعات فرض ضريبة 27%على حياة المواطن، وعلى قيمة الدينار ،وعلى الاقتصاد الليبي بصفة عامة ؟
# زيادة إفقار الليبين
دائما مايدفع المواطن الليبي ثمن الفساد والنهب والسرقة وفرض الضرائب والاتاوات التي تفرضهاالسلطة، وهو من بدأ يدفع ثمن زيادة ضريبة 27% على شراء النقد الأجنبي، من خلال الارتفاع الجنوني في أسعار السلع الأساسية ، خاصة السلع التي يقبل عليها المواطن في شهر رمضان المبارك مثل اللحوم الحمراء واللحوم البيضاء والبيض والدقيق والزيوت والحليب والمشروبات والعصائر.
وقد أظهرت دراسة لاعضاء هئية التدريس بكلية الاقتصاد بجامعة درنة “انه وفق مقاييس البنك الدولي وبعد فرض ضريبة بقيمة 27%على مبيعات النقد الأجنبي فإن دائرة الفقر في ليبيا اصبحت تشمل كل من يتقاضى مرتبا أقل من 1264دينار ،وأن تطبيق القرار سيؤدي إلى اتساع دائرة الفقر وزيادة ذوبان الطبقة المتوسطة ،وستؤدي إلى أضعاف مرتبات 2.3 مليون موظف، وتحد من قدرتهم الشرائية.
وحسب وزير الاقتصاد والتجارة محمد الحويج بأن “فرض ضريبة على مشتريات العملات الأجنبية سيؤدي إلى زيادة الأسعار بنحو 30%،وقد ينجم عنه تجويع المواطن الليبي، وخلق أزمة اقتصادية داخل البلاد لأنه لم يات (حسب قوله )في الوقت المناسب، ولا بالأسلوب المناسب، ولا بالسعر المناسب، وأن هذا القرار يؤدي الى زيادة نسبة خط الفقر”. ويؤكد هذا الرأي عضو مجلس النواب عبد السلام نصية الذي يقول:”ان رفع سعر الصرف على حساب القوى الشرائية للمواطن خطأ كبير لأنه يقود إلى إفقاره وتجويعه، لافتا(نصية )إلى أن أسعار السلع والخدمات سوف ترتفع بنسبة 30%تقريبا”.
اما مدير مركز اويا للدراسات الاقتصادية احمد ابولسين فيقول: “ان المصرف المركزي خفض سعر الصرف بنسبة 70%قبل ثلاث سنوات، والان فرض ضريبة ب 27%على مبيعات النقد الأجنبي وهو مايؤثر على معيشة الأفراد في ظل عدم وجود برامج كافية للحماية الاجتماعية”.
ان زيادة الضريبة على مبيعات النقد الأجنبي سينحمل تبعاتها المواطن الليبي البسيط، الذي لاحول له ولاقوة، ويفتقد للمؤسسات الرقابية والظبطية التي تحمي حقوقه، وتقف في مواجهة تغول السلطة التي يسعى افرادها إلى مراكمة ثرواتهم والبقاء على كراسي السلطة.
#أنهيار في قيمة الدينار
لقد قام مصرف ليبيا المركزي قبل التخفيض الاخير في قيمة الدينار بفرض ضريبة 27% في العام 2018 بفرض ضريبة على بيع العملة الأجنبية، وثم تحصيل 52 مليار دينار من جيوب المواطنين، ثم قام بعدها بتخفيض آخر لقيمة الدينار وبنسبة 3.65 دينار للدولار الواحد تم قام المصرف المركزي مرة ثالثة في العام 2021برفع قيمة الدولار أمام الدينار بنسبة 70% ليكون سعر الصرف الجديد 4.48 دينار للدولار الواحد. ودكر المصرف المركزي وقتها ان سعر الدينار الليبي سوف يستقر أمام العملات الاجنبية ، وسيعمل المصرف المركزي على رفع قيمة الدينار تدريجيا،وستساهم زيادة الضريبة في التخفيف من التضخم، ولكن لم يحدث شيء من ذلك .واليوم يعاود المصرف المركزي نفس السلوك بفرض ضريبة 27% على مبيعات النقد الأجنبي، وتخفيض قيمة الدينار الليبي ولنفس الأسباب، ومطلقا نفس الوعود التي سبق وأن قالها من قبل. فكيف ستؤتر زيادة الضريبة على قيمة الدينار الليبي؟
هناك شبه اجماع على ان الزيادة الأخيرة في قيمة الضريبة على شراء النقد الأجنبي ستؤدي حتما _كما ادت الزيادات السابقة _إلى استمرار الانهيار التدريجي في قيمة الدينار امام العملات الأجنبية، وستفقده قيمته الشرائية بحيث لايتم التعويل عليه كعملة آمنة للادخار. يقول استاذ الاقتصاد بجامعة بنغازي علي الشريف ان فرض رسوم على بيع النقد الأجنبي من شأنه ان يؤدي إلى أن يفقد الدينار قيمته الشرائية وبالتالي عودة المطالبة بزيادة الأجور، وزيادة التضخم في الموازنة العامة وزيادة تكاليف الدعم، وارتفاع الأسعار وعدم انخفاض الواردات. .
وفي كل الأحوال، فإن فرض الضريبة الجديدة لن يؤدي إلى خفض الطلب على العملة الأجنبية، ولن يؤدي إلى إختفاء السوق السوداء (وهي العدو الأول لقيمة الدينار) بل على العكس سيزيد من حدتها، وإنما سيؤدي إلى زيادة الغلاء وزيادة الأسعار وبمعدل اكثر من قبل، وهذا يعني بالضرورة إضافة عددا آخر إلى الفقراء في ليبيا.
وتكرار تغيير سعر الصرف خلال فترات قصيرة، وفي ظل الازمة السياسية والاقتصادية، والهشاشة الأمنية التي تعانيها البلاد يتسبب في زيادة المضاربة على العملة ، ويؤثر على وضع الدينار الذي بدأ يفقد قيمته باستمرار، ويربك عمل الأسواق المحلية،ويحد من القدرة على الإنتاج، وبالتالي يقلل من فرص تعافي الاقتصاد الوطني.
والتخفيض الضمني لقيمة الدينار الليبي سينتج عنه نفس الآثار السلبية السابقة، خاصة في الجانب المتعلق بالارتفاع الحاد في الأسعار،والتضخم، وإتقال الميزانية بنفقات إضافية تسبب العجز نتيجة عودة العاملين بالدولة للمطالبة مرة أخرى بزيادة مرتباتهم،لمواجهة تدني قيمة العملة ومحاولة الحفاظ على دخولهم الحقيقية، وعندها سيتجه المصرف المركزي كعادته الى الدخول في سلسلة متتالية من فرض الضريبة والتخفيض في قيمة الدينار الليبي مثلما حدث في دول أخرى اقتصادها مشابه لطبيعة الاقتصاد الليبي.
بقلم: الدكتور مسعود المهدي السلامي: أستاذ الاقتصاد السياسي بالجامعة