Skip to content

تآكل الطبقة الوسطى في ليبيا.. ما هي الأسباب؟

تلعب الطبقة الوسطى في ليبيا دورا اساسيا ومؤثرا في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وإحداث التناغم والانسجام بين مكونات المجتمع .وحجم الطبقة الوسطى في اي مجتمع يحدد حالة وحدته واستقراره باعتبار أن هذه الطبقة صمام امان الجماعات البشرية، والحامية لوجودها .

وفي ليبيا تعد الطبقة الوسطى هي الطبقة الأكثر عددا فتلتي المجتمع تقريبا هم من افراد الطبقة الوسطى، كما انها الطبقة الأكثر حضورا في العمل والانتاج،وهي التي تعكس طبيعة ونمط البنية الاقتصادية في ليبيا. ووتشكل الطبقة الوسطى في ليبيا من الموظفين العاملين في القطاعات العامة ،وصغار التجار، وأصحاب النشاطات الخدمية المتوسطة، إضافة إلى أساتذة الجامعات ومن في حكمهم من حيث مقدار الدخل والاهتمامات والادوار ألتي يودونها في المجتمع.

ومع التحولات السياسية التي شهدتها البلاد بعد العام 2011,وماتلاها من احداث انتجت الازمة السياسية والاقتصادية انقلبت معادلة التوازن المجتمعي في ليبيا،وصعب معها رسم خريطة وجود الطبقة الوسطى،وادت بها إلى التآكل والتلاشي التدريجي وانزلاقها إلى الطبقةالافقر وتتابع انهيارها.

وبالمقابل ادت التحولات التي شهدتها ليبيا وماصاحبها من استفحال في الازمة السياسية والاقتصادية إلى بقاء طبقتان متنافرتان:تفصل بينهما هوة اجتماعية عميقة :طبقة غنية طفيلية مستفيدة من الوضع القائم، اعتمدت على الاستحواد على ونهب موارد الدولة واستغلال عوائد الثروة النفطية، وطبقة اخرى محتاجة وفقيرة فقرا مدقعا ومهمشة لاتصل إلى ابسط ضروريات الحياة.

فما هو الواقع المعيشي للطبقة الوسطى في ليبيا؟ وماهي التداعيات الاقتصادية الناجمة عن تآكل واختفاء هذه الطبقة؟

 

أسباب تلاشي الطبقة الوسطى.

 

ان ماجرى في ليبيا بعد 2011 كان على حساب الطبقة الوسطى التي تعرضت لحالة من التاكل والاضمحلال،فقد خلفت الازمة السياسية والاقتصادية التي اعقبت العام 2011، وفشل الحكومات المتعاقبة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والقيام بإصلاحات حقيقية إلى تراجع الوضع الاقتصادي في البلاد وتدهور الأوضاع المعيشيةللمواطنين ، نتيجة تفشي ظاهرة الفقر الناتج عن إنحدار مستوى دخل الأفراد، ، وزيادة أسعار السلع والمواد الأساسية، وتدني قيمة الأجور، وغياب السيولة، وانخفاض قيمة العملة المحلية أمام العملات الاجنبية، بحيت اصبح الليبيون يواجهون مشقة بالغة في الحصول على المتطلبات الأساسية للحياة مثل السلع الغذائية، والخدمات الصحية،وغيرها من الخدمات العامة الأخرى،مما نجم عن هذا كله تحول اعداد كبيرة من افراد الطبقة الوسطى إلى الطبقة الأدنى الفقيرة، في دولة غنية جدا بثرواتها الطبيعية،وعدد سكانها الذي لايزيد كثيرا عن 6 مليون نسمة.

 

و ساهمت مجموعة من العوامل في توسع الفوارق الاجتماعية وتآكل الطبقة الوسطى وانضمامها إلى شريحة الفقراء منها:

# الانفاق المالي بدون ظوابط وبدون تحديد الأولويات ،ودون وجود رقابة مالية او إدارية فعالة، مما خلق حالة من التضخم اثرت على قدرة الافراد الشرائية وخاصة الطبقة الوسطى ذات الاغلبية والتي تشكل حوالي تلتي المجتمع الليبي مما خلق حالة من تنامي الفوارق

الاقتصادية والاجتماعية بين مختلف الشرائح والفئات والمناطق والجهات في ليبيا.

 

# استشراء ظاهرة الفساد المالي والإداري في كل مفاصل مؤسسات البلاد ساهم في تدحرج الطبقة الوسطى، وفقدانها القدرة على البقاله، فليبيا هي اليوم من بين اكثر 6دول فسادا في العالم.

#الفوارق في الدخل فهناك من من الأفراد من يصل دخله الشهري الى 60 الف دينار، وهناك من يتقاضى 900دينار شهريا، كما ان هناك افراد وعائلات اصبحت متحكمها في الموارد المالية للدولة وشديدة الثراء، فعلى سبيل المثال ان عدد محدود من الأشخاص والعائلات يهيمنون على مايزيد عن 75%من قيمة الاعتمادات البنكية وهي بالملايين من العملة المحلية او العملة الأجنبية،جعلتهم أشخاصا أثرياء في فترة قياسية .هذا علاوة على ان جهات يتقاضى افرادها مرتبات عالية جدا مثل العاملين في الوزارات والسفارات،واعضاء مجلس النواب والدولة ،،والهئيات القضائية، والمؤسسات الاستثمارية، وغيرهم، مما ساهم في توسيع الفوارق في الدخل،وجعل الطبقة الوسطى تفقد مكانها .

#تدني قيمة العملة المحلية وفقدانها لقيمتها أمام العملات الاجنبية نتيجة تخفيض قيمتها اكثر من مرة من قبل المصرف المركزي، واخرها فرض ضريبة 27% على مبيعات النقد الأجنبي، مما أدى استفحال ظاهرة الغلاء وتدني القدرة الشرائية للمواطن،واثر بالتالي على الطبقة الوسطى التي تعتبر الأكثر عددا.

وكان المبعوت الأممي الاسبق غسان سلامه قد حذر من الوضع الاقتصادي المتدهور في ليبيا، ومن مآل الطبقة الوسطى التي قال إنها تعيش حالة إفقار.

وحسب الخبير الاقتصادي أحمد أبو لسين “ان معدلات الفقر في ليبيا اصبحت مخيفة ،وأن الطبقة الوسطى تلاشت بسبب الفساد والتوسع في الإنفاق المالي على حساب التنمية، وغياب الاستقرار الاقتصادي.

وبدون شك فإن تحييد الطبقة الوسطى وتهميش دورها سيؤثر بشكل مباشر على مناعه وعافية الاقتصاد، ،الذي تحول تدريجيا الي اقتصاد استهلاكي طفيلي تسيطر عليه الطبقة الغنية المترفة،وبدأ يفقد التنوع في الانتاج الذي كانت تقوم به الطبقة الوسطى،و التي شكلت ملامح الاقتصاد الليبي، وجعلت منه اقتصادا متوازنا وعادلا.

والخلاصة : ان الطبقة الوسطى في ليبيا اصبحت هشة وضعيفة ومهددة بالمزيد من التلاشي في ظل السياسات الحكومية العشوائية الغير مكترتة بأهمية وجود هذه الطبقة كطبقة منتجة ،وتشكل عماد بنية الاقتصاد ،والعمود الفقري للتنمية الاقتصادية.

وتلاشي الطبقة الوسطى هو نتيجة واقعية لحالة الفساد المالي والإداري في مؤسسات البلاد، وسيطرة ثقافة الغنيمةوالنهب ، وغياب التنمية، وانقسام المجتمع، وسيطرة السلاح، بالإضافة إلى التدخلات الخارجية، وتشكيل شبكات عابرة للحدود تعمل على تهريب البشر والوقود والسلع والسلاح، وظهور لوبيات مرتبطة بدول اخرى أكثر من ارتباطها بليبيا.

بقلم: الدكتور مسعود المهدي السلامي: أستاذ الاقتصاد السياسي بالجامعة.

أشهر في موقعنا