الدكتور مسعود المهدي السلامي:
أستاذ الاقتصاد السياسي بالجامعة
صعدت ليبيا خلال شهر مارس الماضي على قمة إنتاج النفط في أفريقيا ،وذلك بعد أن ازاحت نيجيريا التي كانت تحتل المركز الأول،وحلت بدلها على رأس قائمة الدول المنتجة للنفط في أفريقيا.
وقد أعلنت منظمة الدول المصدرة للنفط(أوبك ) ان ليبيا احتلت المركز الأول كاكبر منتج للنفط في القارة الأفريقيةالذي كانت تشغله نيجيريا، بعد ان تمكنت من رفع إنتاجها من 1.17 مليون برميل يوميا خلال شهر فبراير إلي 1.24 مليون برميل يوميا خلال مارس ، اي بنسبة زيادة بلغت 5.4%.
وحسب تقرير المنظمة ان أنتاج ليبيا بهذه الزيادة بدأ يقترب من الوصول الى 1.5 برميل يوميا، وهو المستوى الذي كان عليه الانتاج قبل العام 2011.
من جهة تانية، قال وزير النفط والغاز بالوكالة خليفة عبد الصادق أن ليبيا تعمل بشكل حتيث على رفع مستوى الانتاج النفطي إلى 1.4 مليون برميل يوميا مع نهاية العام 2024 ,كما تعمل ايضا على أن يصل الانتاج إلى 2 مليون برميل يوميا خلال الثلاث سنوات القادمة.
ومع الزيادة في الانتاج ألتي حققتها ليبيا خلال شهر مارس الماضي، تكون حققت قفزة في الإنتاج لها مردود مادي ومعنوي مهم، وبالمقابل، تكون نيجيريا قد فقدت المركز الأول كاكبر منتج للنفط في القارة الأفريقية، نتيجة انخفاض إنتاجها إلى 1.23 مليون برميل يوميا خلال شهر مارس، مقارنة ب 1.32 برميل يوميا خلال الشهر الذي قبله، اي بمعدل انخفاض وصل إلى 90 الف برميل يوميا، وبنسبة انخفاض تصل إلى 6.8%.وحسب ماهو متوقع،وكما تشير تقارير منظمة الاوبك ان تسعى المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا للمحافظة على هذه الصدارة طيلة العام الحالي 2024 على اقل تقدير.
ويمثل وصول ليبيا إلى صدارة أنتاج النفط في أفريقيا، وكواحدة من اهم الدول المنتجة المنتجة للنفط على مستوى منظمة الدول المصدرة للنفط “الاوبك”، انجازا مهما، وتحولا كبيرا في صناعة النفط الذي يشكل المصدر الأساسي للدخل في ليبيا ، وذلك رغم تحديات الصراع والازمة السياسية في البلاد، والتي تسببت اكثر من مرة في توقف الانتاج واعلان القوة القاهرة في عدد من المواني والحقول النفطية، وأدى إلى انخفاض حاد في كمية الانتاج وصل إلى 250.000 الف برميل يوميا. كما يعكس هذا التحول،والزيادة في الانتاج حالة الاستقرار النسبي التي تشهدها البلاد،مما ساعد المؤسسة الوطنية للنفط على استثمار حالة الاستقرار هذه في وضع الخطط،وزيادة الجهد الذي تبدله لتطوير صناعة النفط،وزيادة معدلات الانتاج.
من جهة تانية، تعمل المؤسسة الوطنية للنفط في إطار الخطة التي وضعتها على التفاوض مع الشركات الأجنبية، وتوقيع عقود معها للاستكشاف وتطوير الحقول النفطية خلال العام 2024,واستئناف الانتاج في حقول اخرى متوقفة، علاوة على دعوة عدد من الشركات النفطية الأجنبية للمشاركة في المشاريع الاستثمارية في قطاع النفط.
ومما يساعد المؤسسة على استقطاب الشركات اجنبية للاستثمار في قطاع النفط أن ليبيا تمتلك مخزونا هائلا من احتياطيات النفط الخام، والذي يعد الاحتياطي الاكبر على مستوى القارة الأفريقية، وبكمية تزيد عن 48.4 مليار برميل، كما انها تحتل المرتبة الأولى عربيا والخامسة عالميا في احتياطي النفط الصخري، والمرتبة التانية في احتياطي الغاز في أفريقيا.وحسب التقديرات فإن هذه الاحتياطيات تتيح استمرار نفس معدلات الانتاج النفطي لمدة 79عاما.
وتستفيد ليبيا من موقعها الاستراتيجي على البحر المتوسط، القريب من الأسواق الاوروبية في عملية الانتاج والتصدير حيث تستحود الدول الاوروبية مثل إيطاليا والمانيا وإسبانيا على 79% من صادرات النفط الليبي،فيما تستحود الشركات التابعة لهذه الدول على الحصة الأهم في أنتاج النفط الليبي.
والسؤال:هل سيساهم الارتفاع في أنتاج النفط في إنعاش الاقتصاد الليبي، وتحسين مستوى معيشة المواطن؟
من المعلوم ان ليبيا تعتمد بشكل كبير على الصادرات النفطية والتي تصل إلى 98% من إجمالي الصادرات، واي تحسن في مورد النفط سواء من حيث كمية الانتاج أو من حيث ارتفاع السعر سيكون له دور إيجابي في الاستقرار المالي للدولة، وفي تخفيف الأعباء، والمساهمة في تمويل الميزانيه العامة، وسد العجز في الموازنة خلال العام 2024.
اما في الجانب المتعلق بانتعاش الاقتصاد، وتنشيط الحركة التجارية،وزيادة الموارد المالية فهذا الامر يبدو بعيد المنال، لأنه سبق وأن زادت أسعار النفط مرات عدة ولم يستفد منهآ لا الاقتصاد ، ولا المواطن الليبي نهائيا،فكلما زادت كميات أنتاج النفط وزادت اسعاره، كلما زاد الفساد واستشرى اكثر في مفاصل الدولة، وتحول الى نهب ممنهج للمال العام، هذا علاوة على مشكلة سوء إدارة الموارد المالية، والتوسع في الإنفاق العام بدون ظوابط أو رقابة.وفي هذا الخصوص قال الخبير المالي سليمان الشحومي “ان الاقتصاد الليبي ضعيف البنية والهيكل على نحو واسع، حتى مع تحسن الإيرادات وانتظامها إلى حد كبير من خلال مبيعات النفط والغاز، ويبقى الإنفاق منفلتا عند حكومتي الشرق والغرب، وهو أيضا إتفاق بلا موازنة أو مستهدفات خاضعة للرقابة “.
والخلاصة:ان زيادة الانتاج النفطي مؤشر جيد لحالة الاستقرار التي تعيشها ليبيا، وهذا سيشجع الشركات النفطية على العودة والعمل، مما يؤمن استمرار وتتبيت الزيادة في الانتاج، بما يساهم في إيجاد حالة من الاستقرار المالي. لكن من غير المتوقع ان تساهم هذه الزيادة في انعاش الوضع الاقتصادي، أو بعت مشاريع تنموية كبيرة تعود بالنفع على المواطن.