الدكتور مسعود المهدي السلامي: أستاذ الاقتصاد السياسي بالجامعة
استشرى الفساد في الآونة الاخيرة بشكل كبير في المصارف التجارية، ولايكاد يمر يوم دون أن يتم الكشف عن جريمة اختلاس من قبل مكتب النائب العام أو أحد الجهات الرقابية،حيث يتم الاستيلاء على مليارات الدينارات من المال العام للدولة. أو من الحسابات الخاصة بالأفراد والمؤسسات الخاصة.
وقد تحولت ظاهرة الاختلاس والسرقة في المصارف التجارية إلى حالة متكررة ومعتادة لايمكن اخفاؤها، طالت اغلب المصارف التجارية وفي كل المناطق تقريبا، مما افقد هذه المصارف المصداقية في أن تكون الملاذ الأمن للأموال، وجعلها تعيش في دوامة لاتتوقف من التسيب والفوضى وعدم الاستقرار.
ورغم انه يصعب حصر عدد الاختلاسات التي تمت في الآونة الاخيرة في المصارف ولكن الاشارة لبعض هذه السرقات يكشف حجم الفساد فيها وأثاره المدمرة على الاقتصاد الوطني.
وفي ابريل الماضي اصدرت النيابة العامة حكمها بحبس المدير عام السابق للمصرف الزراعي ومدير سابق ايضا بأحد فروع المصرف وموظفين آخر بالمصرف على خلفية وقائع فساد واختلاس ادت الى تبديد 1.400.000000 مليار دينار في أكبر واقعة سرقة من نوعها في المصارف منذ سنوات طويلة.
_في 2ابريل الماضي كشف مكتب النائب العام عن قيام مسئولين بالمصرف التجاري الظهرة باختلاس 2.4 مليون دينار
_في 6 ابريل ثم الكشف عن واقعة اختلاس 3.5 مليون دينار من مصرف الجمهورية الرشيد.
_في 16ابريل كشف مكتب النائب العام عن اختلاس 2.78 مليون دينار من مصرف الجمهورية غرب طرابلس.
_في بداية شهر مايو الماضي اعلنت هيئة الرقابة الادارية عن إيقاف 14 مسئولا بعدة فروع في المصرف التجاري الوطني لارتكابهم مخالفات وتحقيق منافع غير مشروعة ،واختلاسهم أموال عامة.
_في 14مايو الحالي أعلنت النيابة العامة عن حبس مسئول المدفوعات في مصرف الصحاري لاختلاسه اكثر من 452 الف دينار ،وقبلها في 3 مارس ثم حبس مدير مصرف الصحاري فرع كورنتيا لقيامه باختلاس 114 الف دينار.
_في 20مايو الماضي ثم الكشف عن اشتراك تشكيل عصابي في مصرف الجمهورية فرع مزدة وفرع المصرف التجاري غات بالاستلاء على 1.350 مليون دينار.
في 23 مايو الحالي امر مكتب النائب العام بحبس موظف في فرع مصرف الجمهورية جنزور الشرقي على ذمة التحقيق بتهمة اختلاس 288 الف دينار.
لايتوقف الفساد عند المصارف التجارية العامة بل امتد ليشمل حتى المصارف الخاصة حيث كشف في الآونة الاخيرة عن وقائع فساد ضخمة في مصارف الوفاء واليقين والسراي نجم عنها اختلاس وتبديد مايصل الى 2مليار دولار. من خلال تمكين عدد من الشركات من تحويل أموال للخارج دون مصوغ قانوني.
وقد أشار رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة إلى وقائع الفساد في المصارف الخاصة عندما قال:أنه تمة مصارف خاصة مسئولة عن تزوير مستندات توريد للاستفادة من النقد الأجنبي، داعيا المصارف الى التصدي لاتهامات الفساد التي تتعرض لها.
وحسب المحلل الاقتصادي عادل الكيلاني إن حالات الاختلاس داخل المصارف الليبية تظهر إن هناك خللا كبيرا في الرقابة الداخلية للمصارف التجارية واستهتارا واضحا بهذا القطاع.
لقد تحولت حالات السرقة والاختلاسات في المصارف التجارية الليبية إلى ظاهرة لاتتوقف، لم تفلح معها محاولات مكتب النائب العام والجهات الرقابية والقضائية في الحد منها أو القضاء عليها. واستفحال هذه الظاهرة ،وانتشار شبكات نهب المال العام وتهريب العملة، والعبث بالمقدرات المالية جعل ليبيا تصنف من بين أكثر الدول فسادا في العالم، فقد كشف مؤشر مدركات الفساد لعام 2023 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية عن حقيقة صادمة عن الفساد المستشري في ليبيا حيث جاءت ليبيا في المرتبة 170 من بين 180 دولة عالميا، وفي المرتبة 15عربيا متقدمة عن السودان وتشاد وافغانستان التي احتلت جميعها المرتبة 162.
إن تخلي الحكومات المتعاقبة في ليبيا عن التزاماتها وتعهداتها المتكررة بالتصدي لظاهرة الفساد، أدى إلى الخلل في ميزان العدالة الاجتماعية بوجود طبقة طفيلية اترث عن طريق الفساد ونهب المال العام، وطبقة اخرى فقيرة معدمة تدفع فاتورة الفساد، وعرض الفساد مؤسسات الدولة لخطر التسيب والفوضى، والمساهمة في ضياع حقوق الأفراد، وتهديد حياة الناس في كثير من الحالات.