على جميع الصعد يعاني المواطنون الليبيون من تأثير انسداد أفق الأزمتين السياسية والاقتصادية في البلاد، وآخر تلك المعاناة الصعوبة التي يواجهونها لدى استعدادهم لعيد الأضحى وشراء الأضاحي للعام الجاري.
الأضاحي في السوق الليبية هذه الأيام، تباع وتشترى “بأسعار فلكية”، وفق تعبير المواطن رجب العقوري، وهي جملة شائعة يطلقها الليبيون على الأسعار المبالغ فيها.
العقوري يقول للأناضول من وسط سوق السعي “سوق الخراف” الشعبي في مدينة بنغازي، ثاني أكبر المدن الليبية، إن “هناك خروف تم بيعه اليوم بخمسة آلاف دينار ليبي (نحو 1041 دولارا)، وهو سعر خيالي لم يحدث في تاريخ ليبيا”.
ويعيد جملته السابقة ويضيف عليها: “الأضاحي تباع وتشترى بأسعار فلكية تاريخية”.
ويتابع قائلا: “أقل الأسعار اليوم هو 2000 دينار ليبي (نحو 420 دولار) وهو أيضا أعلى بكثير من متوسط سعر دخل الفرد البالغ 1100 دينار ليبي (220 دولارا) وهو راتب موظف”.
وتساءل العقوري: “كيف سيتمكن المواطن من شراء أضحية وفقا لهذا الوضع، للأسف هذا العام لن يؤدي كثير من الليبيين شعيرة الأضحية”.
ما سبب ذلك؟
وعن ذلك يقول الخبير الاقتصادي الليبي علي البهلول، إن “ما يحدث من ارتفاع لأسعار الخراف ليس أمرا غريبا في ظل ما تشهده البلاد من تضخم وفساد، بسبب انقسام السلطة والإنفاق الموازي من الحكومتين شرقا وغربا”.
وفي ليبيا حكومتان متنافستان منذ مطلع 2022، إحداهما برئاسة أسامة حماد، كلفها مجلس النواب (شرق)، والأخرى حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ومقرها العاصمة طرابلس (غرب).
الخبير الليبي أكمل حديثه مؤكدا أن “الغلاء في ليبيا يشمل كل شي ولم يقتصر على المواشي فقط، إلا أنه وبكل صراحة، ما نسمع عنه من أسعار لبيع الخراف يعد جنونيا”.
وتابع: “أرى أن قلة المعروض في الأسواق المحلية للمواشي سببا رئيسا لما يجري من أسعار مرتفعة، المواشي قليلة وبهذا تحققت المعادلة الاقتصادية المعروفة وهي أن قلة العرض تؤدي لارتفاع السعر”.
وزاد: “كذلك الفيضانات التي شهدتها مدن وقرى ومناطق شرق ليبيا، قبل أشهر، قضت على نسبة كبيرة من الثروة الحيوانية الليبية، منها الخراف التي نفق منها مئات الآلاف”.
وبشأن ذلك، انتقد البهلول سلطات بلاده، قائلا إنهم “اهتموا بملف إعادة إعمار المدن المدمرة من الفيضانات من ناحية المباني، وتجاهلوا إعمار الثروة الحيوانية التي تضررت من الفيضانات رغم أنها تمثل الأمن الغذائي الليبي”.
وفي 10 سبتمبر/ أيلول 2023 اجتاح الإعصار “دانيال” مناطق شرق ليبيا أبرزها مدن بنغازي والبيضاء والمرج وسوسة ومناطق أخرى بينها درنة التي كانت المتضرر الأكبر، متسببا بفيضانات مدمرة قضت على آلاف البشر وتسببت بنفوق مئات الآلاف من الحيوانات.
أما ثاني أسباب قلة المعروض من المواشي حاليا، يؤكد البهلول أنه “تفشى مرض الجلد العقدي والحمى القلاعية بين المواشي مؤخرا، وأدى إلى نفوق العديد منها”.
وأردف: “كذلك غلاء الأعلاف كان سببا آخر في قلة المعروض، وأصحاب المواشي لم يحصلوا على دعم من السلطات ولم توفر لهم أعلافا مدعومة رغم علمها بالوضع القائم”.
ويختم حديثه بالتأكيد على أن “رابع الأسباب، تقلبات سعر صرف الدينار الليبي أمام العملات الأجنبية، وهو أمر مرتبط ارتباطا وثيقا بجميع مناحي الحياة ليس في ليبيا بل في العالم أجمع”.
إجراءات حكومية
ولمحاولة التخفيف على المواطنين وطأة غلاء الأسعار، أعلنت الحكومة المكلفة من مجلس النواب شرق ليبيا “وصول باخرة محملة بأغنام (مستوردة) لتوفير أضاحي للمواطنين محدودي الدخل بأسعار أقل بكثير من الأسعار في السوق”.
وفي بيان، أضافت حكومة البرلمان الليبي، الإثنين، أن “تلك الأضاحي ستوزع في مختلف المدن والمناطق بالتنسيق مع السلطات المحلية لضمان وصول الدعم إلى أكبر عدد من الأسر المحتاجة”.
ووفق بيان آخر للحكومة ذاتها، فإن السعر الذي حدد مقابلا للأضاحي المدعومة هو 950 دينارا ليبيا (نحو 198 دولار) فيما سيكون السداد نقدا أو بصك مصرفي.
كما حددت حكومة البرلمان شروطا للمواطن الراغب بشراء الأضحية، تتمثل في ضرورة “إحضار كتيب العائلة أو ورقة الوضع العائلي مختومة وإثبات هوية رب الأسرة”.
وفيما تدير حكومة البرلمان مدن ومناطق شرق البلاد، أعلنت حكومة الوحدة الوطنية التي تدير مدن ومناطق الغرب أنها اتخذت عدة إجراءات بخصوص عيد الأضحى المبارك.
جاء ذلك، في بيان لوزارة الزراعة والثروة الحيوانية في حكومة الوحدة الجمعة قالت فيه إنها شددت على “ضرورة الالتزام بالمعايير الصحية في الأضاحي، وبذل المزيد من الجهد للفرق البيطرية التي ستتولى مراقبة حركة قطعان الأضاحي بالأسواق”.
وأوضحت الوزارة أنها “وضعت خطة إرشادية لتوضيح الأساليب المثلى للتعامل مع الأضحية، بداية من شرائها إلى يوم الذبح وكيفية معاملة لحومها وفقاً للمعايير الصحية”.
وكالة الأناضول