الدكتور مسعود المهدي السلامي: أستاذ الاقتصاد السياسي بالجامعة
في خطوة غير متوقعة قامت حكومة بوركينا فاسو بتأميم المصرف الليبي للتجارة والتنمية الذي تم تأسيسه في العام 1984,برأسمال يبلغ 18مليون دولار مناصفة بين الدولتين، اي 50% لكل طرف والذي يعد واحد من اهم المشروعات الاستثمارية الليبية في أفريقيا.
وقد بررت الحكومة البوركينية عملية التأميم بألقاء اللوم علي الجانب الليبي ،والذي اتهمته بالاهمال والتقصير، وعدم الجدية في معالجة المشاكل المالية والإدارية التي تعرض لها المصرف،وامتناعه عن تقديم الدعم المالي الكافي لاستمرار عمله.
وزعمت الحكومة البوركينية (حسب قرار التأميم )ان الهدف من التأميم، وفض الشراكة مع الجانب الليبي هو انتشال المصرف من الوضع الذي هو فيه، واتخاد ألاجراءات المناسبة ألتي تضمن عودة المصرف لنشاطه الأول، وتعزيز قدراته حتى يكون قادر على المنافسة.
في الجانب الآخر، أكد الشريك الليبي وهو المصرف العربي الليبي الخارجي في رده على قرار التأميم “أنه لا اساس للمزاعم والادعاءات البوركينية حول تقصير الجانب الليبي، وامتناعه عن تقديم الدعم اللازم للمصرف، وان المصرف لم يتوقف عن العمل، ولم يتعرض لخسائر مالية،وأن الحكومة البوركينية تحاول من وراء قرار التأميم الاستيلاء على اصول المصرف، والسطو على، حصة ليبيا منه، وحرمان الجانب الليبي من حقوقه القانونية المتفق عليها في الشراكة”.
وأوضح المصرف ان الشروط ألتي قدمها الجانب البوركيني للجانب الليبي هي في الحقيقة عبارة عن”شروط إدعان وفرض أمر واقع، وانتهاكا صريحا لنصوص الاتفاقية الموقعة بين الطرفين.”.
من جهة تانية، اثارت خطوة الحكومة البوركينية تأميم المصرف الليبي للتجارة والتنمية جدلا واسعا واستياءا كبيرا بين الاوساط الليبية التي عبرت عن رفضها للخطوة واعتبرتها نكران لما قدمته ليبيا من مساعدات لافريقيا، وحذرت من تداعياتها على مستقبل الاستثمارات الليبية في عموم أفريقيا، التي قد تتعرض لمخاطر مماتلة ،، وقد تستغل بعض الدول الأفريقية الأخرى حالة الانقسام السياسي والفوضى التي تمر بها ليبيا لوضع يدها على الاستثمارات في بعض هذه الدول.
وفي هذا الاتجاه اعتبرت عضو ملتقى الحوار السياسي امال ابو قعقيص استيلاء بوركينا فاسو على حصة ليبيا في المصرف “بمثابة جرس انذار وتهديد لباقي الاستثمارات الليبية في كل أفريقيا، و قالت إنه لاينبغي السكوت على مافعلته بوركينا فاسو، ويجب حشد الاتحاد الافريقي لحفظ حقوق ليبيا.”.
ومن جانبه ،يرى الخبير الاقتصادي علي المحمودي ان قرار الحكومة البوركينية تأميم المصرف الليبي للتجارة والتنمية لم يكن مفاجئا لحكومة الوحدة الوطنية المتهمة بالاهمال والتقصير وعدم الحرص على متابعة الوضع الذي آل اليه المصرف، وفشلها في حلحلة هذا الملف،والتصدي لقرار التأميم.
ويكشف قرار الحكومة البوركينية ان الحكومات الليبية المتعاقبة فشلت في التصدي لمحاولة عددا من الدول الافريقية استغلال حالة الانقسام السياسي في ليبيا لوضع يدها على الاستثمارات والمشاريع الليبية، وتنظيم عمليات سطو ممنهجة على هذه الممتلكات الموجودة على اراضيها، وان الحكومات الليبية ترضى بسياسة الامر الواقع، خاصة مع عدم وجود عناصر ليبية كفؤة قادرة مكلفة بإدارة الاستثمارات الليبية بفاعلية،وترك الامر في يد مجموعة من العامة، من أصحاب الحضوة والواسطة الذين يمارسون سياحة العمل والاسترزاق. وقد تكبدت ليبيا خسائر كبيرة في الشركات والعقارات التي تعرضت للاهمال وسوء الإدارة، وفقدت اموالا كثيرة بعد أن تراجعت قيمة الاستثمارات الليبية في أفريقيا بشكل كبير.
وقد سبق ان كشفت الشركة الليبية للاستتمارات الأفريقية التي تمتلك مايصل إلى 23 شركة تعمل في 18 دولة افريقية عن انها فقدت عددا من اصولها وممتلكاتها في أفريقيا نتيجة التأميم او وضع اليد عليها، من بينها فنادق في التوغو والكونجو، وأراضي في كل من تشاد وبنين،وشركات في مالي وغينيا وتشاد وتونس،وغيرها.
والأمر المخيف في خطوة بوركينا فاسو تأميم المصرف العربي الليبي للتجارة والتنمية انها قد تشجع دول أفريقية أخرى توجد بها استثمارات ليبية بأن تقوم بنفس التصرف، وتعمد الى مصادرة وتأميم الممتلكات الليبية الموجودة لديها هي الأخرى، خاصة في غياب المتابعة والرقابة الفعالة للاستتمارات الليبية في الدول الافريقية، وتحول الاستثمارات إلى ملف حسابات سياسية، وعامل للمحاصصة والترضية بين الأطراف المتحكمة في المشهد السياسي .
وتقوم هذه الأطراف باستثمار كل شي لتحقيق مصالحها الخاصة، وجعلها وسيلة لمكافأة بعض المتنفذين بتعيينهم في الشركات الاستثمارية الليبية في الخارج دون الالتزام بشروط الكفاءة والامانة والتخصص. وكل الحكومات الليبية المتعاقبة جعلت الحصول على المناصب في الشركات الاستثمارية الليبية وسيلة لكسب رضا الحلفاء السياسيين والمتنفدين ،مما مكن في النهاية الفاسدين من الاستحواد على هذه الاستثمارات بالتآمر مع بعض الاطراف في الدول التي تتواجد فيها هذه الاستثمارات.
وتسود قناعة بأن الاستثمارات الليبية في الخارج تحولت إلى هدف لشبكات الفساد والصراع والمصالح بين الأطراف الليبية.
كما تبرز المخاطر الناجمة عن وجود الاستثمارات في دول غير مستقرة أمنيا وسياسيا ، بحيث يجعل من الصعب متابعتها والحفاظ عليها، وبالتالي فهي معرضة للتلاشي والضياع يوما بعد آخر.