Skip to content

التغير المناخي يضرب قرى جبال نفوسة

أثرت أزمة التغير المناخي بشكل واضح على عديد القرى الليبية التي كانت تزدهر قبل سنوات بالمساحات الخضراء الشاسعة والأراضي الزراعية، وحولتها إلى «مساحات شديدة الجفاف لا تطاق» ما دفع سكانها إلى التخلي عن أراضيهم ومواشيهم والانتقال إلى مدن أخرى.

وبرزت أزمة التغير المناخي جلية في عديد من قرى جبال نفوسة، والتي يسكنها أغلبية من الأمازيغ. ويصف محمد معكاف كيف تحولت مدينة كاباو، الواقعة على بعد 200 كم جنوب العاصمة طرابلس، من خضراء ومزدهرة إلى مناطق صحراوية جافة بسبب تغير المناخ منذ بداية الألفية.

وقال، لموقع «المونيتور» ومقره الولايات المتحدة: «المنطقة كانت فيما سبق خضراء ومزدهرة حتى بداية الألفية. أحب الناس من مختلف المدن كاباو وكانوا يأتون للتنزه وسط المساحات الخضراء، لكنها الآن أصبحت جافة لا تحتمل».

المراعي الخضراء تختفي تحت ستار الجفاف
وأضاف معكاف، البالغ من العمر 65 عاما: «لم نعد نرى المراعي الخضراء الممتدة التي اعتدنا عليها في الستينيات والسبعينيات». وكانت مدينة كاباو تشتهر بأشجار الزيتون والتين واللوز، لكن بسبب التغير المناخي، فقد أصبحت الحقول الواسعة حول المدينة قاحلة وجافة.

والآن، يجد سكان قرى جبال نفوسة، المعرضة بشكل دائم للحرارة المرتفعة والرياح الجافة، صعوبة بالغة في زراعة الفاكهة والبذور، حيث تواجه نقصا في هطول الأمطار، ودرجات حرارة أعلى من المعايير الموسمية.

وتمثل الصحراء 95% من مساحة ليبيا الإجمالية، وهو ما يجعلها من بين أكثر البلدان في العالم التي تعاني ندرة المياه، حسب تقارير وبيانات الأمم المتحدة.

الهجرة الناجمة عن التغير المناخي
ويسلط تقرير موقع «المونيتور» الضوء على ظاهرة الهجرة الداخلية الناجمة عن أزمة التغير المناخي وندرة المياه، مشيرا إلى أن القرويين المحليين بدأوا في الخروج تدريجيا من جبال نفوسة والسهول المحيطة بها بسبب الإجهاد المائي.

ويعيش في جبال نفوسة، التي تقع على ارتفاع ألف متر في غرب ليبيا، حوالي نصف مليون شخص من إجمالي السكان البالغ عددهم سبعة ملايين نسمة.

وأكد عميد بلدية كاباو، مراد مخلوف، أن «الجفاف الذي شهدته المنطقة خلال العقد الماضي دفع مئات العائلات إلى المغادرة صوب العاصمة طرابلس والمدن الساحلية، حيث يسهل الحصول على المياه».

وقال: «الأمر لا يقتصر فقط على ندرة المياه أو موت المحاصيل بسبب الجفاف.. الأمر له أبعاد إنسانية وديمغرافية مع هجرة مئات العائلات صوب العاصمة والمدن الساحلية».

في حين يعرب القرويون المحليون عن مخاوف من أن يدفع التغير المناخي جميع سكان المنطقة للمغادرة. وقال المزارع سليمان محمد: «العيش من دون مياه موت محقق.. كيف يمكننا أن نتحلى بالصبر؟ سنصل إلى نقطة سيقوم عندها المزارعون ببيع المواشي لأن تكلفة الإبقاء عليهم ستكون أعلى من قيمتهم الحقيقية».

الجفاف يقضي على أشجار الزيتون
ويقف سليمان إلى جانب مجموعة من جذور الأشجار الميتة، متحدثا عن فقدان الآلاف من أشجار الزيتون، وقال: «بعضها كان بعمر 200 عاما تقريبا، وورثناها من أجدادانا».

وفي مسعى منها لتخفيف الأعباء عن المواطنين، بدأت السلطات المحلية في بيع المياه المدعمة بسعر 25 دينارا (5 دولارات) لكل 12 ألف لتر. وتقطع الشاحنات المحملة بالمياه مسافة تصل إلى 50 كم لتوصيل المياه إلى قرى جبال نفوسة.

وفي هذا، قال معكاف: «نتمكن من ري الأراضي والحقول مرتين أو ثلاث مرات أسبوعيا، لكن المياه باهظة الثمن. نعتمد على الصهاريج الخاصة التي تبيع الكمية نفسها بسعر يصل إلى 160 دينارا».

ليبيا تعاني إجهاد مائي شديد
ويعد مشروع النهر الصناعي مصدر المياه الرئيسي في البلاد. وتستمد شبكة الأنابيب المياه من طبقات المياه الجوفية في قلب الصحراء الجنوبية، لتوفير قرابة 60% من الاحتياجات الوطنية. لكن الإمدادات لا تزال غير كافية مع تزايد الجفاف.

غير أن معهد الموارد المائية توقع أن تعاني ليبيا «إجهادا مائيا شديدا» بحلول العام 2050. بينما توقع البنك الدولي أنه بحلول العام 2030، ستقع منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا دون عتبة «الندرة المطلقة للمياه».

كما حذر البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة في دراسة أخيرة من أن ندرة المياه تعد أحد أكبر التهديدات التي تواجه ليبيا في المستقبل القريب. وقال: «تحتاج البلاد إلى ضمان الوصول العادل إلى المياه للأغراض المنزلية والاقتصادية».

وأضاف: «يجب أن تقلل الأساليب الزراعية الذكية مناخيا من الإفراط في استخدام الموارد المائية والممارسات التي تساهم في تآكل التربة والتصحر، مما يؤثر بشكل أكبر على القطاعات الإنتاجية والأمن الغذائي».

تقدم محدود صوب مكافحة التغير المناخي
وعلى الرغم من كون ليبيا أحد الدول الموقعة على الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ للعام 2015، وصدقت على اتفاق باريس للمناخ في 2016، إلا أنه لم يجر تحقيق تقدم ملموس في هذا الإطار.

وقال التقرير: «ليبيا أظهرت تقدما ضئيلا صوب تطوير استراتيجيات الحد من مخاطر الكوارث والتكيف مع المناخ، في الوقت الذي تواصل فيه صراعها مع الانقسامات والنزاعات الداخلية بعد سقوط القذافي في العام 2011».

وأضاف: «الجفاف لم يعد يشكل أزمة بالنسبة إلى جبال نفوسة فحسب، بل بالنسبة إلى البلاد بأكملها.. تحتاج ليبيا إلى خطة إنقاذ تسمح للجميع بالتكيف مع أزمة التغير المناخي».

أشهر في موقعنا