تعيد بكين وطرابلس بناء العلاقات بعد أن سحبت الصين المستثمرين في العام 2011؛ لكن الانقسام السياسي في ليبيا قد يثبت أنه مشكلة، بحسب تقرير نُشِر اليوم الأحد، أعدته «جريدة جنوب الصين الصباحية» الناطقة بالإنجليزية والتي تصدر في هونغ كونغ.
قبل ثورة 2011 التي أطاحت بالعقيد الراحل معمر القذافي وأدت إلى حرب أهلية دامية في ليبيا، كانت للصين مصالح واسعة في الدولة الغنية بالنفط الواقعة في شمال أفريقيا. في ذلك الوقت، كانت 75 شركة صينية تسيطر على 50 مشروعًا كبيرًا بقيمة تعاقدية تزيد على 20 مليار دولار، وفقًا لتقديرات وزارة التجارة الصينية.
توقفت الاستثمارات الصينية المكثفة، التي شملت النفط والبناء والسكك الحديدية والاتصالات فجأة، بعد مداهمة بعض الشركات وإصابة العشرات من العمال بجروح خطيرة، ما دفع بكين إلى التحرك بسرعة لإجلاء مواطنيها من الاضطرابات.
وجرى خلال الأزمة إجلاء 35860 مواطنًا صينيًا من البلاد – وهو أكبر إجلاء رسمي للخارج منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية العام 1949. ثم مع تدهور الوضع الأمني، علقت الصين الاستثمارات الجديدة، وهو الأمر الذي ظل دون تغيير نسبيًا – حتى الآن.
حاليًا، تنقسم ليبيا بين إدارتين: حكومة الوحدة الوطنية الموقتة المعترف بها دوليًا ومقرها طرابلس في غرب البلاد، والحكومة المكلفة من مجلس النواب المنافسة في الشرق والتي تتحالف مع قائد «القيادة العامة» المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي في بنغازي.
استعداد الصين للعودة إلى ليبيا
في الآونة الأخيرة، بدأت تظهر علامات على استعداد الصين للعودة إلى الدولة الغنية بالطاقة والتي لا تزال منقسمة سياسيًا. ففي 10 يونيو، أصدر وزير الاقتصاد والتجارة بحكومة «الوحدة الوطنية الموقتة» محمد الحويج توجيهًا لتفعيل الغرفة الاقتصادية الليبية – الصينية المشتركة، وحثها على المساعدة في بناء الجسور وتعزيز الاتصالات الاستثمارية بين البلدين.
وتفاوض كبار المسؤولين في طرابلس وبكين بشأن عودة الصين إلى ليبيا والتي كانت إحدى القضايا التي نوقشت عندما زار رئيس وزراء حكومة «الوحدة الوطنية الموقتة» عبدالحميد الدبيبة الصين في أواخر مايو الماضي، حيث أجرى محادثات مع رئيس مجلس الدولة لي تشيانغ ووزير الخارجية وانغ يي على هامش المؤتمر الوزاري العاشر لمنتدى التعاون بين الصين والدول العربية، وناقشا استعادة التعاون السياسي والاقتصادي بين البلدين.
وقال لي إن الصين مستعدة للعمل مع ليبيا للاستفادة من إمكانات التعاون في إطار مبادرة الحزام والطريق، وتعزيز التعاون في مجالات مثل بناء البنية الأساسية وتقديم المزيد من الدعم لتنمية ليبيا. وأعرب عن أمله «أن توفر ليبيا بيئة عمل عادلة وغير تمييزية للشركات الصينية». وفي الوقت نفسه، عرض وانغ أيضًا دعم الصين. وقال: «لقد دعمت الصين دائمًا استقرار ليبيا وتنميتها … وعملية الانتقال السياسي التي تقودها ليبيا وتملكها ليبيا».
وفي المقابل، قال الدبيبة في الاجتماع: «إن ليبيا تقدر عاليًا الدور المهم الذي تلعبه الصين في دعم العملية السياسية وإعادة الإعمار الوطني في ليبيا».
وناقشت الاجتماعات أيضًا بدء عمليات استئناف السفارة الصينية عملياتها في العاصمة طرابلس، بحسب وسائل إعلام ليبية.
معضلة الاستقرار السياسي في ليبيا
لكن وفقًا للمتخصص في الشؤون الصينية الأفريقية وأستاذ في كلية إليوت للشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن، ديفيد شين، فإن استمرار عدم الاستقرار السياسي في ليبيا قد يثبت أنه معضلة صعبة. وقال: «إن الصين تدعم ليبيا الموحدة وتشجع الحوار كحل لخلافاتهم».
وأضاف شين أن ليبيا صدرت نفطًا بقيمة 36 مليار دولار في العام 2023، وكانت حصة الصين 2.2 مليار دولار من هذا الإجمالي. وأشار إلى أن الصين ترغب في إعادة الانخراط في الفوز بعقود البنية التحتية، في حين ترغب حكومة الوحدة الوطنية في رؤية عودة الشركات الصينية.
وقال شين: «ومع ذلك، لا يزال عدم الاستقرار السياسي يشكل مصدر قلق، وليس من الواضح كيف ستتفاعل الصين مع نظام خليفة حفتر في شرق ليبيا». «إن أي إعادة مشاركة كبرى في البلاد تتطلب إعادة فتح سفارة الصين في طرابلس».
تعاملات الصين مع الأطراف الفاعلة في ليبيا
وقال جون كالابريس، وهو زميل بارز في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، إنه قبل الحرب الأهلية الليبية، كانت شركات الطاقة الصينية العملاقة الثلاث المملوكة للدولة – شركة البترول الوطنية الصينية، وشركة النفط الوطنية البحرية الصينية، وشركة البترول والكيماويات الصينية – لديها مشاريع في ليبيا. وقال إن التطورات الأخيرة ربما تكون لها علاقة بتلك الشركات التي تريد تعويض الخسائر وإعادة تأسيس نفسها واستئناف العمل المربح المحتمل.
وأشار إلى أن الصين كانت لها تعاملات مع كلا الجانبين خلال الحرب الأهلية الثانية (من 2014 إلى 2020)، تمامًا كما فعلت في أماكن أخرى، مثل أفغانستان والصراع بين المملكة العربية السعودية وإيران. وقال كالابريس: «لقد تمكنوا بطريقة ما من تجنب تنفير أي من المعسكرين المتنافسين بشكل دائم».
«إذا لم تساعد الصين في إعادة الإعمار، فمن سيفعل؟ يمكن القول إن الأوروبيين يجب أن يفعلوا ذلك. وبقدر ما أستطيع أن أقول، كانت واشنطن تميل إلى تسليم هذه الكأس المسمومة لهم. ولعل بكين وجدت أنه من المناسب أن تتدخل في هذا الوضع كوسيلة للاستفادة من انشغالات الشركاء الأوروبيين الأطلسيين بأولويات أخرى أكثر إلحاحًا».
طرابلس بوابة للاستثمارات الصينية في أفريقيا
وقال مستشار الاستراتيجية العالمية في شركة ماكلارتي أسوشياتس الاستشارية، محمد سليمان، إن إعادة فتح السفارة الصينية قد يشير إلى تعزيز العلاقات الدبلوماسية وتعزيز البنية السياسية في طرابلس.
وأكد سليمان أن «الشركات الصينية تتمتع بسجل حافل في تنفيذ مشاريع واسعة النطاق بسرعة وكفاءة، وهو أمر ضروري لإعادة إعمار ليبيا»، مضيفًا أن مشاركة الصين في إعادة إعمار ليبيا تتوافق مع مصالح بكين الأوسع في البحر الأبيض المتوسط وشمال أفريقيا.
وقال سليمان: «بعد أن ابتعدت إيطاليا عن مبادرة الحزام والطريق الصينية، فإن موقع ليبيا عند مفترق طرق أفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط قد يجعل طرابلس بوابة للاستثمارات الصينية في المنطقة الأوسع، مما يعزز أهداف الحزام والطريق الصينية».
ليبيا شريك آخر في مبادرة الحزام والطريق
وعلاوة على ذلك، من خلال لعب دور في تعافي ليبيا، تضع الصين نفسها كلاعب عالمي رئيسي ملتزم بالتنمية والاستقرار الدوليين. وقال المحاضر في دراسات الدفاع في كينجز كوليدج لندن، أمجد رشيد، إن ليبيا في حاجة ماسة إلى إعادة الإعمار كجزء من انتقالها إلى بلد ما بعد الصراع.
وأضاف رشيد: «الفكرة هنا هي أن إعادة الإعمار تؤدي إلى الوضع الطبيعي وتنهي دائرة العنف السياسي. وهذا مهم لحكومة الوحدة الوطنية لتحقيق الفضل وتعزيز شرعية حكومة الدبيبة المدعومة من الأمم المتحدة في مواجهة منافسيه السياسيين في طبرق وشرق ليبيا». وقال إن «ليبيا شريك آخر في مبادرة الحزام والطريق لتأمين وتعزيز أمن الطاقة».
وقال رشيد: «يمكن لليبيا أن تلعب دورًا رئيسيًا، جنبًا إلى جنب مع مصر والجزائر، في استكمال الصورة في أفريقيا المطلة على البحر الأبيض المتوسط لضمان الوصول إلى السوق الأوروبية الموحدة». وفي الوقت نفسه، كما هو الحال مع أي مجتمع ما بعد الصراع، توفر ليبيا فرصة مربحة للشركات الصينية.
ليبيا بحاجة إلى مستثمرين أجانب
منذ عملية الإجلاء المتوترة لمواطنيها في العام 2011، حافظت الصين على حيادها في الصراع الليبي، وتنتظر وقتها لعودة الشركات المملوكة للصين في نهاية المطاف إلى البلاد، وفقًا لمديرة مركز دراسات الاستخبارات والأمن في جامعة ميسيسيبي شايو زيربا، التي قالت إن ليبيا بحاجة إلى مستثمرين أجانب لإعادة بناء قدرتها على الاستفادة من احتياطياتها النفطية الضخمة.
وقالت زيربا: «إن الصراع العنيف وعدم الاستقرار السياسي والحكومة المنقسمة في مرحلة انتقالية حدت بشدة من الاستثمار الأجنبي في ليبيا. ونظرًا لاحتياطيات ليبيا النفطية الضخمة، فإن الصين على استعداد لتحمل المخاطر والمساعدة في إعادة إعمار البلاد في مقابل الوصول إلى النفط».
وأضفت «إن المشاركة في التعاون الاقتصادي ومشاريع البنية الأساسية مع ليبيا تعزز هدفين صينيين – تحقيق أمن الطاقة وزيادة نفوذ الصين في أفريقيا».