Skip to content

مصرف ليبيا المركزي والصراع على السلطة والمال في ليبيا..

 

الدكتور مسعود المهدي السلامي.
أستاذ الاقتصاد السياسي بالجامعة.

 

في خطوة مفاجئة اعلن المجلس الرئاسي مجتمعا خلال الايام الماضية عن قيامه بتفعيل قرار مجلس النواب رقم 3/208 لسنة 2018 بشأن أقالة محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير من منصبه واختيار محمد الشكري محافظا جديدا للمصرف المركزي.وقد جاء قرار المجلس الرئاسي بعد أيام قليلة من صدور قرار مجلس النواب بإيقاف العمل بقراره رقم( 3) ، لانه وحسب المجلس انقضت فترة عدم استلام الشكري لمهام عمله ،ونص القرار على استمرار الصديق الكبير في عمله محافظا لمصرف ليبيا المركزي الذي يتولاه منذ العام 2011.
وقد ارسل المجلس الرئاسي رسالة طمأنة للمجتمع الدولي اوضح فيها بأن خطوة إقالة الكبير تأتي في إطار ماقال عنه المجلس الرئاسي تحمل المسئولية الوطنية في الحفاظ على مقدرات البلاد ومنع تعرضها لأي ضرر، وضمان استقرار الأوضاع المالية والاقتصادية في البلاد، وتعزيز قدرة المصرف المركزي على القيام بالمهام المكلف بها بكفاءة وفاعلية.
ويأتي قرار المجلس الرئاسي كخطوة حاسمة بعد أن نأى بنفسه لفترة طويلة عن الصراع الدائر، مكتفيا بدور الطرف المحايد الذي يسعى إلى التهدئة والتفاهم ،وبعد أن تأكد بانه لم يعد يملك ترف الإستمرار في القيام بدورالناصح المحايد، فالتهديدات والاتهامات وتوابع الصراع استهدفته وطالت شرعية وجوده ،واجبرته مكرها على التحرك والمواجهة، فبادر إلى إصدار قرار إنشاء المفوضية الوطنية للاستفتاء والاستعلام الوطني وهو القرار الذي يسحب من صلاحيات المفوضية الوطنية العليا للانتخابات ،ويفتح باب العودة للشعب لاستفتائه واخد رأيه في القضايا المهمة، ومنها استفتاء الشعب على شرعية ومشروعية وجود مجلسي النواب والدولة، وهو ماجعل عقيلة صالح المتشبت بالسلطة يتوجس من توابع القرار ويستشعر خطر التهديد الوجودي لمجلسه، فسارع إلى الانسحاب من الاتفاق السياسي ،واعلن عن إلغاء إتفاق جنيف الذي تم بمقتضاه، تقاسم السلطة بين الأطراف السياسية ، كما قام بسحب لقب القائد الأعلى للقوات المسلحة من المجلس الرئاسي ومنحه لنفسه.
ويرى مراقبون أنه ورغم اعتذار محمد الشكري عن قبول قرار تكليفه بمهام محافظ مصرف ليبيا المركزي فإن جدور الصراع مازالت باقية، وتظل المخاوف قائمة على استمرار الصراع على خزينة مصرف ليبيا المركزي ،وقد تؤدي إلى تعميق الازمة السياسية والاقتصادية، وتتسبب في انعكاسات خطيرة على الأمن والاستقرار في البلاد.
يقول الخبير الاقتصادي عمر زرموح “انها صراعات خطيرة وغير محمودة العواقب، ونخشى من الآثار السلبية لهذه الصراعات على الاقتصاد الوطني،ومانراه أن المحافظ الكبير يعمل على خلق لاضطرابات النقدية، وهذا مافعله منذ 2023 حتى الآن ،بما في ذلك قرار فرض الضريبةعلى مبيعات النقد الأجنبي، ورغم صدور حكم من المحكمة لكنه لم يدعن لحكم المحكمة”.
في الاتجاه الآخر يقول عضو مجلس النواب عيسى العريبي “أنه قد نضطر إلى نقل المصرف المركزي لمدينة بنغازي، وأن خطوة المجلس الرئاسي قد تؤدي إلى إعادة تقسيم المصرف المركزي “.
ورغم اعتذار الشكري عن قبول التكليف فإن المخاوف تظل قائمة،، ومازال الصراع بين الطرفين مفتوح على كل الاحتمالات ، وكل طرف من الأطراف المتصارعة يستخدم للمواجهة كل مايملكه من اوراق قوة وعلاقات وتحالفات داخلية وخارجية، وكان الصديق الكبير قد اصدر بيانا قال فيه “نطمئن أهلنا في ليبيا والاطراف الإقليمية والدولية أن المصرف المركزي والقطاع المصرفي يمارسان اعمالهما كالمعتاد “.قام المجلس الرئاسي من جهته بتشكيل لجنة للتسليم
والاستلام، قامت بالتوجه إلى المصرف وتسليم الكبير قرار المجلس الرئاسي، والذي رد بدوره بتسليم اللجنة قرار مجلس النواب القاضي برفض خطوة المجلس الرئاسي بإقالة الكبير وتعيين الشكري بدلا عنه.
وتشير بعض المصادر الى أن الكبير يتجه لتقديم شكوى للقضاء لحسم الجدل الدائر حول هذه القضية،فيما تشير بعض المصادر الأخرى ان بعض الوسطاء يبدلون جهودا متواصلة للوصول إلى تفاهم بين الطرفين،وقد اقترح الوسطاء أن يلتزم الصديق الكبير بالعمل مع لجنة مالية مشتركة تقوم بوضع الترتيبات المالية إلى حين إيجاد مخرج لموضوع المناصب السيادية.

▪︎ لكن ماهي الأسباب ألتي دفعت محمد الشكري إلى الاعتذار عن قبول تكليفه بمهام محافظ مصرف ليبيا المركزي؟ وهل انتهى الصراع بين هذه الأطراف على مصرف ليبيا المركزي؟

يبدو أن غبار المعركة بدأت تنجلي وأن الصديق الكبير باقٍ في منصبه، فقد قدم محمد الشكري اعتذاره عن تولي مهام محافظ مصرف ليبيا المركزي. دون توافق مجلسي النواب والدولة، مشيرا إلى أن اشتراطه توافق هاتين الجهتين هو من أجل الحفاظ على المؤسسة المالية النقدية من التشظي وتأثر سمعتها امام المؤسسات النقدية المناظرة في العالم، مشيرا الى أن تاريخه المهني لايسمح له بأن يكون طرفا في هذا العبث.
وكان محمد الشكري الذي عينه المجلس الرئاسي ورفض تعيينه مجلس النواب، والذي أشار في البداية إلى احقيته بتولي منصب محافظ مصرف ليبيا المركزي، قد قدم الوعود بإصلاح ماافسده الكبير والعمل على تعافي الاقتصاد، وإعادة الاعتبار لقيمة الدينار الليبي، ورفع المعاناة عن كاهل المواطن، وإلغاء ضريبة 27% على مبيعات النقد الأجنبي والتي جاءت نتيجة التحالف بين عقيلة صالح والصديق الكببير،لكن يبدو ب أن رفض الكبير لقرار المجلس الرئاسي باقالته واستنجاده بالدول الداعمة النافذة من اجل البقاء في منصبه،والدعم الذي تلقاه من خلال أعلان كل من المبعوت الأمريكي نورلاند، وبعتة الاتحاد الأوروبي، ورئيس البعتة الاممية للدعم في ليبيا بالوكالة ستيفاني خوري عن” معارضتهم لأي خطوة احادية لتغيير محافظ مصرف ليبيا المركزي”، لأنه قد يؤدي حسب قولهم الى حرمان ليبيا من الوصول إلى الأسواق المالية الدولية،والى زيادة تعميق الانقسام. هو أحد الأسباب ألتي جعلت الشكري يقدم اعتذاره عن قبول المهمة،علاوة على اصرار مجلس النواب(الذي سبق وأن أعلن في العام 2018 عن إقالة الكبير واستبداله بالشكري ) على رفض قرار المجلس الرئاسي الذي اعتبره غير قانوني وانه والعدم سواء، وصرح رئيس المجلس عقيلة صالح ب ” إن تكليف المجلس الرئاسي محمد الشكري محافظا للمصرف المركزي بدلا من الكبير جاء لنهب المال العام واستمرار الفساد، وانه لن يسمح بذلك “.مشيرا إلى أن التمسك ببقاء الكبير في منصبه هو للحفاظ على المال العام حسب قوله.
وقد هدد المجلس باتخاذ خطوات تصعيدية مضادة منها “التشاور مع القيادة العامة حول قفل الحقول النفطية،والنظر في امكانية نقل مصرف ليبيا المركزي الى بنغازي.”. يقول عضو مجلس النواب جبريل الوحيده الذي يصر هو أيضا على بقاء الصديق الكبير في منصبه”ان الصديق الكبير اصبح أمرا واقعا لايمكن تجاوزه ،وتدعمه اطراف داخلية ودولية بقوة، مما يجعل من الصعب على أي جهة ازاحته “. وربما يضاف إلى هذه الأسباب سببا آخرا دفعت الشكري للاعتذار أن اغلب أعضاء مجلس الإدارة الجديد يفتقدون الخبرة المصرفية المطلوبة، والبعض من هذه الأسماء متورط في قضايا فساد كبيرة اثناء شغلهم لمناصب قيادية في السابق
والواقع إن مايجري في المشهد الليبي لا علاقة له لا بالوطن ولابالمواطن ولا بالمحافظة على المال العام والعمل من اجل تعافي الوضع الاقتصادي المنهار ،بل له علاقة قوية بالتدافع والصراع بين هذه الأطراف على التشبت وبأي ثمن بالبقاء في السلطة والإستمرار في نهب المال العام، ودون أدنى الاهتمام بما يجره الصراع والتشبت بالاستحواذ على السلطة والمال من تبعات خطيرة على عافية الوطن سياسيا واقتصاديا ، ومايسببه من تداعيات قد تقود إلى المزيد من الفوضى والخراب، ويجعل إمكانية تحقيق تقدم سياسي واقتصادي في البلاد امر بعيد المنال.
وقطعا،إن الصراع على منصب محافظ مصرف ليبيا المركزي هو قبل كل شيء صراعا على تحقيق المكاسب والمناصب،وليس صراعا من اجل المصلحة العامة،ولا من اجل تصويب عمل المصرف المركزي وإعادته إلى جادة الصواب،ومحاولة الاطاحة بالصديق الكبير هي صورة مصغرة للصراع الاوسع على السلطة والمال الذي تشهده ليبيا منذ العام 2011 , والذي تحركه في الغالب القوى الدولية المتنفدة وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، وسيبقى الكبير والمصرف المركزي صورة لمشهد يتكرر كل مرة في ليبيا، وسط بيئة سياسية تستمد شرعيتها من النفوذ الأجنبي.

أشهر في موقعنا