نجح تحالف “أوبك+” في تجنب حدوث فائض نفطي هذا العام عبر اتخاذ قرار أخيرا بتقييد الإنتاج لفترة أطول قليلاً. لكن الإجراء المؤقت لن يوقف وفرة العرض التي تنتظر الأسواق العالمية في 2025.
قررت المجموعة النفطية، التي تقودها السعودية وروسيا، يوم الخميس، تأجيل خطط استعادة الإنتاج لمدة شهرين، بعد أن دفع تعثر النمو الاقتصادي في الصين وزيادة الإمدادات الأمريكية أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها في 14 شهرا.
عبر تعديل خطتها لزيادة الإمدادات، ربما تمكنت دول التحالف من تجنب الفائض الذي كانت تتوقعه مؤسسات مثل مجموعة “ترافيغورا” ووكالة الطاقة الدولية. وبعد فترة وجيزة من القرار، استقر تراجع أسعار النفط.
مع ذلك، حتى لو واصل “أوبك+” تقييد الإنتاج طيلة 2025، تتوقع الوكالة أن تشهد السوق فائضاً وسط ضعف نمو الطلب بموازاة الإنتاج المتزايد من الولايات المتحدة وغيانا والبرازيل وكندا. ويُتوقع أن تنخفض الأسعار لنحو 60 دولارا للبرميل، وفق توقعات “سيتي غروب” و”جيه بي مورغان”.
تراجع السوق يوفر بعض الراحة للمستهلكين والبنوك المركزية بعد سنوات من التضخم الجامح، بل وحتى ظروفاً داعمة محتملة للحملة الانتخابية لنائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس. لكن الأسعار ما زالت منخفضة للغاية بالنسبة للسعودية وغيرها من أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول لتغطية الإنفاق الحكومي.
عوامل قد تؤدي لفائض
يرى كريستوف رويل، كبير المحللين بمركز سياسة الطاقة العالمية في جامعة كولومبيا، أن “2025 لا يبدو جيدا بالنسبة لأوبك+. إذ يتفق الجميع على أن العرض من خارج أوبك قوي بما يكفي لخلق فائض في السوق. كما أن كبح العرض الآن للحفاظ على الأسعار مرتفعة يشجع ذلك بالطبع”.
حسابات أسواق النفط في 2025 واضحة. إذ تتوقع وكالة الطاقة أن ينمو استهلاك النفط العالمي بأقل من مليون برميل يومياً العام المقبل، أي ما يناهز 1 %، وسط فقدان زخم انتعاش ما بعد الجائحة، وتسارع التحول إلى السيارات الكهربائية. وتقدم الوكالة، التي يقع مقرها في باريس، المشورة لعديد من الاقتصادات الكبرى.
تُظهر الصين، محرك الطلب على النفط على مدى العقدين الماضيين، شهية متضائلة لهذه السلعة. إذ تقلصت الواردات إلى أضعف وتيرة منذ عامين تقريباً، مع تباطؤ النمو الاقتصادي، والجهود للتحول بعيداً عن الوقود الأحفوري.
على الجانب الآخر، فإن موجة الإنتاج الجديدة من خارج تحالف “أوبك+”، الذي يضم 23 دولة، ستتفوق على النمو الخافت للاستهلاك العالمي بأكثر من 50 %، على أن يأتي 40 % من هذا الإنتاج من الولايات المتحدة، بحسب الوكالة. ومع أن طفرة النفط الصخري في البلاد تراجعت، إلا أنها لا تزال توفر كميات كبيرة من الإمدادات الجديدة.
مجال محدود
نتيجة لما تقدّم، يُتوقع أن تتراكم مخزونات النفط العالمية العام المقبل، بدءا بزيادة ضخمة قدرها 1.3 مليون برميل يوميا خلال الربع الأول، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية. وفي هذا السياق، حذر سبنسر ديل، كبير الاقتصاديين في “بي بي” (BP)، الشهر الماضي، من أن لدى أوبك+ “مجالا محدودا” لإضافة الإنتاج.
من جهته، عدّ هينينغ غلويستاين، المحلل في مجموعة أوراسيا، أن قرار “أوبك+” ليس حاسما، إذ قد يحمي أسعار مزيج برنت فوق 70 دولاراً للبرميل ويساعد في منع زيادة العرض، لكن جانب الطلب يضعف، خاصة في الصين. سنرى ما إذا كان بإمكان التحالف المضي قدماً في عودة الإنتاج المؤجل تدريجيا”.
تفاقمت خسائر النفط يوم الجمعة بعد أن خفضت “أرامكو” السعودية علاوة سعر بيع خامها الرئيسي لسوقها الرئيسة في آسيا الشهر المقبل، في إشارة أخرى إلى القلق بشأن الطلب. وتراجع سعر مزيج برنت 1.8% إلى 71.35 دولار، وهو أدنى مستوى منذ مايو 2023.
في يونيو، عندما بدت آفاق السوق أكثر إشراقاً، وضع التحالف خطة لاستعادة 2.2 مليون برميل يوميا تدريجيا من الإنتاج، والذي كان قد توقف خلال سلسلة من التخفيضات التي تمت منذ أواخر 2022. وكان من المفترض أن يبدأ تنفيذ الخطة بزيادة قدرها 180 ألف برميل يومياً في أكتوبر. لكن تمّ العدول عن تنفيذ الخطة بشكل مؤقت لاحقا.
وأكد أعضاء “أوبك+” في أكثر من مناسبة، بقيادة وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان، أنه بإمكانهم “تعليق الزيادات أو عكسها إذا لزم الأمر”. وحتى الأزمة السياسية في ليبيا، التي أوقفت أكثر من 50 % من إنتاج البلاد، لم تعط المجموعة طمأنة كافية لزيادة الإمدادات قليلا.
تأجيل إضافي؟
إذا واصل “أوبك+” تنفيذ خطته المنقحة، عبر إعادة 2.2 مليون برميل من الإنتاج بعد شهرين من الموعد المخطط له سابقاً، فقد يؤدي ذلك إلى تضخيم الفائض المتوقع في 2025.
ويمكن أن يؤدي أي تأجيل إضافي إلى تجنب ذلك، لكن من غير الواضح إلى أي مدى تستطيع المجموعة مواصلة الالتزام بإبقاء النفط خارج السوق.
حرصت الإمارات العربية المتحدة، أحد أكبر المنتجين في المنظمة، على توظيف الاستثمارات لزيادة طاقتها الإنتاجية، التي تقول أبوظبي إنها وصلت إلى 4.85 مليون برميل يومياً، أي ما يقارب 5 % من الإمدادات العالمية.
ويواجه أعضاء آخرون مثل العراق وروسيا وكازاخستان صعوبات في تنفيذ التخفيضات التي كان من المفترض أن يقوموا بها في بداية العام. تحفظت بغداد منذ فترة على توزيع حصص الإنتاج في “أوبك+” بينما تحاول إعادة بناء اقتصاد دمرته عقود من الصراع والعقوبات، في حين تسعى موسكو للحصول على إيرادات لتمويل الحرب ضد أوكرانيا.
رغم قرار “أوبك+” بتمديد التخفيضات الطوعية، خفض بنكا “جيه بي مورغان” و”بنك أوف أمريكا” توقعاتهما لأسعار النفط. وبالنسبة لدولة مثل السعودية، فإن تدهورسعر الخام يهدد بضغوط مالية.
وتشير بيانات صندوق النقد الدولي إلى أن الرياض تحتاج إلى أسعار قريبة من 100 دولار للبرميل لتمويل خطط التحول الاقتصادي التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والتي تشمل مدناً مستقبلية وجذب لاعبين رياضيين متميزين. واتجهت المملكة إلى التريث في الإنفاق على المشاريع الرئيسة عقب ركود اقتصادي استمر 4 فصول.
إذا واصلت إستراتيجية “أوبك+” مواجهة الصعوبات، فقد يفكر التحالف في بديل أكثر حدّة، مثلما نبّه “بنك أوف أميركا” و”بي إن بي باريبا”، وهو تكثيف الإنتاج لاقتناص حصة سوقية، والضغط على المنافسين مثل النفط الصخري الأمريكي. ولا يعد أي منهما أن هذا هو السيناريو الأكثر احتمالاً، لكن حظوظه تتزايد.
ويقول تاماس فارغا، المحلل بشركة الوساطة المالية “بي في إم أويل أسوشيتس” : “يتساءل المرء متى ينفد صبر التحالف حيال التخلي عن حصته في السوق عمداً دون أي عائد يلوح في الأفق”.