Skip to content

أزمة الكهرباء في ليبيا بين معاناة المواطن ووعود الحكومة

الدكتور مسعود المهدى السلامي.

أستاذ الاقتصاد السياسي بالجامعة.

تواجه ليبيا منذ سنوات أزمة معيشية حادة من جراء الانقطاع المتكرر في التيار الكهربائي على اغلب المناطق. وقد أصبح انقطاع الكهرباء واقعا يوميا ويشكل معاناة حقيقية، للمواطن ويضيف هما اخرا لسلسلة الهموم والازمات المتلاحقة الذي يعاني منها   مثل ازمة السيولة، وازمة تدني قيمة العملة المحلية الدينار امام العملات الأجنبية الأخرى، وازمة الوقود، وازمة غلاء المعيشة وغيرها من الأزمات الأخرى التي اثقلت كاهل المواطن وسدت أمامه سبل الحياة الكريمة.

ورغم الوعود المتكررة التي أطلقتها حكومة الدبيبة، والاموال الطائلة التي صرفته من اجل معالجة هذه المشكلة ووضع حلا جذريا لمشكلة طرح الأحمال لساعات طويلة على اغلب المناطق في البلاد، إلا أن   مشكلة انقطاع الكهرباء وطرح الأحمال مازالت مستمرة ومعها تستمر معاناة الليبيين، ومازالت حكومة الدبيبة عاجزة عن إيجاد حل جذري لهذه الازمة.

 

وتكشف الأرقام حجم الأموال الضخمة التي صرفت وتصرف على قطاع الكهرباء   والذي يفوق بأضعاف ما يصرف من أموال على اغلب القطاعات الخدمية الأخرى، على سبيل المثال تم خلال الثلاث سنوات الاخيرة صرف اكثر من 3 مليار دولار   على الصيانة ومشروعات تطوير قطاع الكهرباء، وتشير الأرقام ايضا أن ليبيا تنفق سنويا ما يزيد عن 662 مليون دولار لدعم القطاع.

وتم خلال العام 2022 صرف أكثر من 60 مليون دولار للصيانة ومواجهة العجز في توفير الطاقة. وكشف بيان صادر عن مصرف ليبيا المركزي أن الشركة العامة للكهرباء انفقت خلال الخمسة أشهر الأولى من العام الحالي 2024 مبلغ 3.9 مليار دينار.، لكن مع ذلك لم يحدث اي تحسن يذكر، ومازال يتكرر انقطاع التيار الكهربائي خاصة في فصل الصيف الذي تشتد فيه درجة الحرارة، وتزيد الحاجة إلى الكهرباء في ري المحاصيل الزراعية.

ومع استمرار الانقطاع وتعمد الشركة العامة للكهرباء لاستعمال الانتقائية والمحاباة في طرح الأحمال، حيث يتم قطع الكهرباء  لساعات طويلة  عن مناطق  محددة  بطرابلس،  بينما يتم  إعفاء مناطق اخرى  من طرح الأحمال، ومنها الأحياء التي يسكنها كبار  المسئولين وتوجد بها البعثات والهيئات الدبلوماسية،  لم يجد مجموعة  من الشباب المحتجين  من طريقة للتعبير عن معاناتهم  وغضبهم   من طرح الأحمال لساعات طويلة على  منطقة  طريق  المطار  والمناطق المجاورة لها  سوى  حرق الإطارات ومحاولة قفل الطريق.

وقد سبق ذلك احتجاجات مماثلة على انقطاع الكهرباء شهدتها   عين زارة، زليتن والقره بوللي، كما أصدر حراك اوباري بيانا حول معاناة المنطقة جراء طرح الأحمال لساعات طويلة، وهددوا بإقفال محطة الكهرباء الغازية باوباري.

وتكشف هذه الاحتجاجات عن الغضب الشعبي الكبير الذي يعكس حجم المعاناة اليومية التي يعيشها الليبيين، وهذه الاحتجاجات ليست مجرد تعبير عن غضب عابر، بل هي رسالة واضحة لأصحاب السلطة في البلاد بأن الوضع لم يعد يمكن تحمله، وان المعاناة التي يعيشها المواطن   تزداد كل يوم، وتحرمه من القدرة على الحصول على قوت يومه، وعن احتياجات أسرته الأساسية.

ولا يقتصر الأثر السلبي لأزمة انقطاع التيار الكهربائي   على المواطن وإن كان هو الأكثر تضررا، بل يمتد الاثر لينعكس سلبا على الاقتصاد الليبي الذي يتحمل في الاساس خسائر كبيرة نتيجة الفساد المالي والإداري المستشري في قطاع الكهرباء، وما يتم صرفه من أموال طائلة على هذا القطاع دون جدوى.

يقول المحلل الاقتصادي وئام المصراتي” أن أكثر من نصف انتاج ليبيا من الغاز يذهب لتغطية الشبكة العامة للكهرباء، بالإضافة الى حصول الشركة على المحروقات بسعر مدعوم، ومع حجم الأموال المرصودة سنويا للشركة، مازالت الأزمة مستمرة كما هي نتيجة سوء إدارة المرفق والفساد المالي والإداري”.

ومن جهته يؤكد عضو لجنة الأزمة ناصر الكريوي   على “أن أزمة الكهرباء تؤثر على حياة المواطن مباشرة، بالإضافة الى تأثيرها على الاقتصاد الوطني بشكل كبير”.

ويؤثر الانقطاع المتكرر   للكهرباء على مجمل النشاط الاقتصادي بما في ذلك جميع القطاعات الخدمية كالصحة والتعليم ومياه الشرب والمصارف التجارية ومحطات الوقود والمحلات التجارية، والشركات والمصانع التي تواجه صعوبة في العمل بانتظام مما يؤثر على الانتاجية والنمو الاقتصادي..

وقد اجبر هذا الانقطاع المقتدرين والمؤسسات العامة والخاصة على اللجوء لاستخدام المولدات التي تعمل بالوقود والمتوفرة في السوق السوداء وبأسعار كبيرة جدا لا يقدر عليه ذوي الدخل المحدود.

وفي الوقت الذي تزداد فيه معاناة الليبيين ويخسر فيه الاقتصاد  الوطني  مبالغ مالية كبيرة من جراء الانقطاع المتكرر في الكهرباء وطرح الأحمال لساعات طويلة، عرض رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة  خلال  زيارته الاخيرة للقاهرة  تقديم مساعدة مالية  لمصر  من اجل شراء  شحنات غاز  حتى تتجاوز القاهرة ازمة الكهرباء، ولاحقا قامت  المؤسسة  الوطنية للنفط بتمويل شراء  شحنة غاز  لمصر، بقيمة  50 مليون دولار، وفي الوقت  الذي تصرف فيه الأموال بالعملة الصعبة  على حل مشكلة  الكهرباء  في دولة أخرى، تبقى ازمة انقطاع الكهرباء  في ليبيا  مستمرة  ودون حل،  وهو  ما يشير إلى تحكم المصالح الخاصة والمتاجرة السياسية  على حساب معاناة الليبيين، وتستمر فيها  حاجة المواطن  الماسة  للكهرباء  لتحقيق  مكاسب  سياسية ضيقة

أشهر في موقعنا