اعتبرت مجلة «أتالايار» الإسبانية أن قائد قوات «القيادة العامة» المشير خليفة حفتر هو أحد المستفيدين الرئيسيين من الأزمة المستمرة حول إدارة مصرف ليبيا المركزي، كما رأت أن «صراع السلطة» المشتعل في طرابلس يضعف من موقف رئيس «حكومة الوحدة الوطنية الموقتة»، عبدالحميد الدبيبة.
وأشارت المجلة، في تقرير نشرته أمس الأحد، إلى «أحداث تتوالى في ظل وضع جديد في شرق ليبيا يهيمن عليه المشير حفتر، يضعف حكومة الوحدة برئاسة الدبيبة في طرابلس. والقضية المطروحة الآن هي توزيع عائدات النفط وتوسيع النفوذ الإقليمي».
وسلط التقرير الضوء على «صراع السلطة» المشتعل في العاصمة طرابلس بين محافظ المصرف المركزي المقال من جانب المجلس الرئاسي، الصديق الكبير، ورئيس «حكومة الوحدة» الدبيبة، وبالأخص أحد أقارب الأخير، إبراهيم الدبيبة.
ويؤكد أن هذا الصراع يعيد تشكيل التحالفات: «يقبع في قلب الأزمة صراع على السلطة في طرابلس تسبب في إعادة تشكيل التحالفات السياسية في ليبيا، وساعد عائلة حفتر في الحصول على تمويل غير مسبوق».
وأضاف: «أثبتت عشيرة حفتر قدرتها على استغلال هذا النزاع بين الكبير وإبراهيم الدبيبة، المعروف لدى الكثيرين أنه وسيط السلطة الحقيقي خلف حكومة طرابلس».
وتابعت المجلة الإسبانية: «نتيجة لهذا النزاع، يتفاقم نزيف أموال الدولة، ويعمل أبناء حفتر على تعزيز سلطتهم، وفي نهاية المطاف قد ينهار التوازن الهش الذي حافظ على هدوء ليبيا على مدى العقد الماضي».
حفتر.. الفائز من الأزمة
وبحسب التقرير، فقد «تمكن حفتر وعشيرته من توسيع قوتهم الاقتصادية والعسكرية بشكل أكبر في السنوات الأخيرة. وبالإضافة إلى حصولهم على تمويل رسمي من المصرف المركزي، يبدو أن هناك مصادر غير قانونية أسهمت في ذلك».
وقال: «يحصل المشير حفتر بشكل غير رسمي على جزء من إنتاج النفط، والذي يجرى تهريبه إلى الدول المجاورة، حيث تسيطر قواته على مسارات الهجرة ومناجم الذهب في جنوب شرق البلاد».
وأضاف: «من خلال السيطرة على مشاريع إعادة الإعمار المربحة، تضمن عائلة حفتر حصة من أرباح الشركة واستثماراتها. بالإضافة إلى الشركات التركية والمصرية، يهتم المستثمرون من الإمارات أيضًا بإعادة إعمار بنغازي».
وتابع: «يحظى حفتر بدعم من حلفاء إقليميين ودوليين. فمصر، باستقبالها أسامة حماد، في 11 أغسطس، خاطرت بأزمة دبلوماسية مع الدبيبة. تزامنت تلك الخطوة مع تقارب دبلوماسي بين مصر وتركيا، الداعم الرئيسي لحكومة الدبيبة».
وفي حين تعهدت تركيا بتزويد حكومة طرابلس بأنظمة دفاع جوي حديثة، ودعتها إلى تهدئة التوترات، فمن المرجح أن يكون هذا الدعم قصير الأجل إذا أثر على علاقات أنقرة بالقاهرة، حسب التقرير.
كما رأت المجلة الإسبانية أن القيمة الجيوسياسية لليبيا في المنطقة تعني أن «حفتر سيحصل على مزيد من الدعم العسكري من روسيا. فالعلاقة الوثيقة مع روسيا تعزز موقف حفتر التفاوضي، بينما تحد بشكل كبير من قدرة أوروبا على العمل في أفريقيا في العقود المقبلة، خصوصا فيما يتعلق باللاجئين والهجرة».
الصراع على السلطة يصل ذروته
وبلغ الصراع على السلطة الدائر في ليبيا منذ سنوات ذروته، حسب التقرير، حينما قرر المجلس الرئاسي إقالة الصديق الكبير، وهو الشخصية المؤثرة في ليبيا.
ونتيجة ذلك، جرى وقف الإنتاج النفطي في الحقول والموانئ النفطية، كوسيلة للضغط على المجلس الرئاسي للتراجع عن القرار. ومنذ وقتها، انهار الإنتاج النفطي والصادرات من ليبيا بأكثر من 80%، كما تفاقمت الأزمة الاقتصادية في البلاد بشكل أسوأ.
إضافة إلى ذلك، خلق النزاع حول إدارة المصرف المركزي اختناقات في السيولة لدى المصارف، وهو ما زاد من الضغوط على حكومة الدبيبة، التي فشلت في تحسين الظروف المعيشية للسكان بشكل كبير منذ تأسيسها في العام 2021.
وعوضا عن البحث عن حلول للأزمة الاقتصادية، قال التقرير إن «الدبيبة أعاد توزيع موارد الدولة من خلال المحسوبية والفساد لصالح عشيرته والنخب في طرابلس لتأمين منصبه في السلطة».
انشغال المجتمع الدولي عن الأزمة في ليبيا
ورأت المجلة الإسبانية أن «انشغال المجتمع الدولي بالحرب الدائرة في أوكرانيا وغزة أحدثت فجوة في الانتباه الدولي على ليبيا، وهو ما استغلته الأطراف السياسية المحلية وحلفاؤها الدوليين لتوسيع دائرة نفوذها».
وقالت: «عادت ليبيا إلى المسرح الدولي بعد أربع سنوات من الهدوء. بعد تشكيل حكومة موحدة بالعام 2021، في عملية سياسية رعتها الأمم المتحدة، كانت الآمال منصبة على توحيد المؤسسات الحكومية وتحقيق استقرار مستدام».
ومع ذلك، حسب التقرير، انهارت تلك التوقعات بعد الفشل في إجراء انتخابات وطنية في موعدها الذي كان مقررا في نهاية العام 2021، والإعلان عن حكومة «موازية» في بنغازي في فبراير العام 2022.
كما فشلت بعثة الدعم التابعة للأمم المتحدة حتى الآن في المضي قدما والدفع صوب إجراء الانتخابات الوطنية وتوحيد البلاد. وبدا أن المجتمع الدولي يقبل الاستقرار الهش الذي ساد في ليبيا خلال السنوات الماضية، باعتباره «أهون الشرين».
غير أن المجلة الإسبانية رأت أن الاتفاق الذي توصلت إليه الأطراف المتنافسة في ليبيا منذ العام 2021، «اتفاق ضعيف، لكنه سمح بمرحلة من الاستقرار النسبي في البلاد».