Skip to content

الأمن الغذائي في ليبيا… الواقع وافاق الانفراج

قدّر برنامج الأغدية العالمي أن عدد الليبيين الذين يحتاجون الى مساعدات انسانية يصل الى 1,300000شخص ،وان 699الف منهم يعانون من انعدام الامن الغذائي ،وبعضهم يستفيد من مساعدات برنامج الغداء العالمي، حيث بلغ عدد المستفيدين في يونيو 2022 65987الفا ،منهم 43992 تلميذا ،و 2590مهاجرا من المقيمين .

وفي 21مارس 2023 قالت منظمة هيومن رايتس ووتش ان الحرب الروسية الاوكرانية تسببت في تفاقم المشاكل الغذائية لخمسة دول عربية منها ليبيا التي ارتفعت الاسعار فيها بنسبة 30%.

يمثل موضوع الامن الغذائي جانبا كبيرا من اهتمام الدول ،الغنية والفقيرة على حد سواء ،حيث تشير الاحصائيات ان عدد السكان في العالم يشهد نموا مضطردا ،وان الفجوة كبيرة بين انتاج الغداء وبين حجم الطلب العالمي ،نتيجة ما تتعرض له البيئة الزراعية من عوامل الجفاف ،والتغيرات المناخية ،والتلوث، وما تخلفه الحروب من مشاكل وازمات تنعكس على الامن الغذائي .

ويعتبر الأمن الغذائي من التحديات الرئيسية التي تواجه ليبيا، فعلى الرغم من الموارد الطبيعية والموارد البشرية والموارد المالية ، ومن التجارب ما يكفي لتحقيق الامن الغذائي ،فإن الانتاج لا يقابل الزيادة المفرطة على الطلب على الاغدية ،بحيث اتسعت الفجوة الغذائية ، واصبحت ليبيا تستورد اغلب احتياجاتها من السلع الغذائية الأساسية.

عرف مؤتمر القمة العالمي للأغدية العام 1996الأمن الغذائي بانه “الحالة التي يتحقق فيها الحصول المادي والاقتصادي على الغداء الكافي والآمن والمغذي لكل الناس ،وفي كل الاوقات ،بشكل يلبي احتياجاتهم الغذائية ،ويتناسب مع اذواقهم المختلفة بما يدعم لهم حياة نشطة وصحية .

وُيستدل من هذا التعريف ان الامن الغذائي مرتبط باشباع احتياجات الافراد من السلع الاساسية ، وهو حق لهم، وواجب على الدولة توفيره بشكل مستمر ودون عائق ،مما يجعلهم يشعرون بالرضاء، والاكتفاء الذاتي .

واقع الامن الغذائي في ليبيا

تعتبر ليبيا دولة مستهلكة وليست مُنتجة للغذاء ،وهي تستورد 60% من احتياجاتها الغذائية ،وتزيد النسبة عن 90% في استيرادها لمحصول الحبوب ، ومنذ ان ثم اكتشاف النفط الذي اصبح يعتمد عليه الاقتصاد الليبي ،الذي تحول الى اقتصاد ريْعي ،ثم اهمال قطاع الزراعة ،ولم تعد ليبيا تنتج إلا القليل من السلع الغذائية .

ورغم الازمة الحادة التي مر بها العالم في العام 2008,والتي نجم عنها تضاعف اسعار السلع ،وتقلص الواردات منها ،فإن الدولة لم تبادر لوضع استراتيجية لتحقيق الامن الغذائي .ومن المرجح ان يتفاقم الوضع مع استمرار الازمة السياسية ،وطول امد الحرب الروسية الاوكرانية ،ومع ارتفاع سعر الحد الادنى للانفاق على سلة الغداء الى 16%(تقرير لبرنامج الغذاء العالمي ).

وحسب التقرير فإن 13% من الاسر الليبية لديها فجوة في الامن الغذائي ،وان سعر سلة الغذاء زاد بنحو 164دولارا منذ فبراير 2022.

وقد تسببت مجموعة من العوامل في مسألة الخلل في الامن الغذائي في ليبيا منها ان الدولة اضاعت بوصلة الامن الغذائي بسبب هيمنة بعض الافكار الاقتصادية التي نقلت البلاد من الاقتصاد المنضبط الى الاقتصاد الاستهلاكي المنفلت تحت شعار الحرية الاقتصادية ، وغياب الاستراتيجيات القومية التي تعمل توطين صناعة الغداء بدلا من استيراده وتهميش قطاع الزراعة المصدر الاساسي للحصول على الغداء ،وتناقص المساحة الصالحة للزراعة نتيجة الزحف العمراني ،والتصحر ،والجفاف، ،وحسب رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة التصحر عبد الغني عون ان مشكلة التصحر تهدد الامن الغذائي في ليبيا ،بسبب زيادة الكتل الاسمنتية والهجرة من الريف الى المدن ،مشيرا الى ان سهل جفارة الذي يشكل 60% من المساحة الزراعية يتم الاعتداء عليه بالبناء العمراني العشوائي.

ومن جهته يري استاذ الاقتصاد عطية الفيتوري ان ابرز اسباب عدم توازن الامن الغذائي في ليبيا يعود الى ان معظم الاراضي صحراوية ،وان الزراعة لا تزيد عن 8% من المساحة العامة ،هذا بالاضافة الى الارتهان للخارج في الحصول على السلع الغذائية .

 

الاكتفاء الذاتي في ليبيا من الحبوب

تعتمد ليبيا بنسبة كبيرة على تأمين احتياجاتها من الحبوب من الخارج خاصة من اوكرانيا وروسيا حيث كانت تستورد 650الف طن من القمح سنويا ، وهو ما يسد فقط نصف حاجتها ،خاصة اذا اخدنا في الاعتبار ان ليبيا نحو 1,26مليون طن من القمح سنويا، فيما لم يتجاوز إنتاج ليبيا من القمح والشعير خلال العام 2021حاجز 100الف طن .

و توضح الرسوم البيانية التالية حجم الانتاج والاستهلاك ونسب الاكتفاء الذاتي والاعتماد على الخارج لمحصول الحبوب في ليبيا خلال الفترة من (2000_2016).

 

ويلاحظ من خلال ما سبق ان نسبة الاعتماد على الخارج من محصول الحبوب هو في ازدياد ،وذلك بسبب عدم كفاية الانتاج المحلي ،وان هناك هناك فجوة كبيرة بين حجم الانتاج وحجم الاستهلاك ، ،وقد بلغ اجمالي المتاح للاستهلاك من القمح نحو 1167,08 الف طن ،ويقدر الانتاج المحلي نحو 164,54 الف طن ،اي ان الانتاج يغطي فقط نسبة 14,10% من حجم الاستهلاك في العام 2016.وفي نفس العام بلغ المتاح للاستهلاك من الشعير نحو 595,49 الف طن ،فيما بلغ الانتاج المحلي 47,91الف طن ،اي انه يغطي مانسبته 8,05%من حجم الاستهلاك .

حاولت ليبيا منذ اندلاع الازمة الاوكرانية وضع استراتيجية للأمن الغذائي، تقوم على تفعيل المشاريع الصناعية المتوقفة بمشاركة القطاع الخاص المحلي والاجنبي ،وتفعيل الانتاج الزراعي في المنطقة الجنوبية ،ودعم قطاع الزراعة والصناعة ،والبحث عن اسواق بديلة لاستيراد كميات من المواد الغذائية الاساسية ،وحسب الخبير الاقتصادي يوسف قصيبات ان هذه الجهود تأتي لمواجهة الازمة  التي تعانيها البلاد بعد منع عدة دول كانت تعتمد عليها ليبيا في توريد الغذاء التصدير للخارج لمواجهة الازمات .

ويبقى الاهتمام بمسالة الامن الغذائي في ليبيا تعد مسألة امن قومي ،يجب ان تعمل الدولة على تحقيقها ،بوضع استراتيجيات متعددة في هذا الشأن من أهم أسباب تحقيق الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية.

الدكتور مسعود المهدي السلامي
استاذ الاقتصاد السياسي
أشهر في موقعنا