في خطوة غير متوقعة ،اعلنت وزارة النقل المصرية عن توقيع اتفاقية مع كوريا الجنوبية ،تقضي بان تقوم شركة ( S.T.x) الكورية الجنوبية ببناء خط انابيب لنقل النفط الليبي من الحقول النفطية في المنطقة الشرقية بليبيا ،الى ميناء جرجوب المصري ،ومن ثم إعادة تصدير النفط الليبي الى اوروبا .
كما شمل الاتفاق حسب وزاراة النقل المصرية ، انشاء مراكز للتدريب والصيانة والدعم محادية للحدود مع ليبيا ،ومشروعات استثمارية اخرى، تستفيد منها مصر في تنمية مدينة مرسى مطروح المصرية ،المحادية للحدود الليبية.
وقد ثم التوقيع على هذه الاتفاقية في غياب ليبيا،ودون علمها،او موافقتها او التنسيق معها في هذا الخصوص .
ولم توضح السلطات المعنية بقطاع النفط في ليبيا ، لاقبل ،ولا بعد الاعلان المصري ، عن اي موقف رسمي تجاه الخطوة المصرية ، ولم تقدم اي معلومات عن الاضرار التي يمكن ان تلحق بليبيا في حالة ثم تنفيد هذه الاتفاقية ،كما انها لم تدكر اي شي عن الاجراءات القانونية التي يمكن ان تتخدها في مواجهة هذه الخطوة،
وقد اكتفى وزير النفط بحكومة الوحدة الوطنية( محمد عون) في تعليقه على الخطوة المصرية بالقول، انه ليس لديه اي علم بالاتفاقية المصرية الكورية،وان الدولة المصرية لم تتواصل مع ليبيا في هذا الخصوص،مشيرا الى ان ليبيا تمتلك 7مواني بحرية كبيرة لتصدير النفط على البحر المتوسط ،وهذه المواني هي الاقرب الى اوروبا من المواني المصرية ،وبالتالي فإن ليبيا ليست في حاجة الى تصدير نفطها الى اوروبا عبر المواني المصرية.
واعرب عون عن اعتقاده بوجود مشروع يعود الى عقود سابقة لمحاولة بناء خط نفطي بين ليبيا ومصر ،لتكرير النفط الليبي في مصر ، وليس لتصديره الى اوروبا ،لكن هذا المشروع لم ير النور،شأنه شأن مشروع اخر تمت مناقشته وقتها مع تونس،،في إطار استراتيجيات لتحقيق التكامل بين الدول الافريقية ،وبناء شبكات موحدة في مجالات الكهرباء والنفط والغاز .
ولم يوضح الوزير محمد عون الموقف او الاجراءات القانونية التي يجب ان تتخدها وزارته،ومعها المؤسسة الوطنية للنفط للاعتراض على هذه الاتفاقية،التي يتعلق جانبا منها بليبيا، وكأن هذه الاتفاقية لاتمس السيادة الليبية ،ولاتنتهك حرمة الاقتصاد الليبي ولاتعد تعدي على ثروة النفط التي هي المورد الوحيد لليبيين .
و حسب بعض خبراء النفط انه في حالة ماتم البدء في هذا الاتفاق ،ومد خط الانابيب من ليبيا الى ميناء جرجوب المصري ، ووصوله الى مرحلة التشغيل ،فإن ميناء الحريقة النفطي بطبرق سيفقد تدريجيا اهميته كميناء حيوي
ويصبح مع الوقت عاطل عن العمل، بما يتبع ذلك خسارة ليبيا اموال طائلة نتيجة تحول بواخر شحن النفط الى الميناء المصري ،علاوة على فقدان الالاف من العاملين بالميناء لاعمالهم .
كنا يتبع ذلك ايضا فشل العديد من مشاريع التنمية التي لها علاقة بميناء الحريقة،بما يسبب اثار اقتصادية واجتماعية غير محسوبة .
الأهداف المصرية من الاتفاقية
من المؤكد ان هذه الخطوة التي لم التنسيق فيها مع ليبيا مثلما هي خطوة لها ماقبلها ،هي ايضا خطوة لها مابعدها ،وتمس القطاعات الحيوية في ليبيا ،وخاصة النفط الذي يمثل المورد الاساسي لقوت الليبيين .وقد قام بعض المسئولين المصريين ،في فترات زمنية سابقة بالاعلان عن ادعاءات تمس حرمة ليبيا وثرواتها الطبيعية.
فعلى سبيل المثال اثار بعض المسؤلين المصريين ان واحة الجغبوب الاستراتيجية والغنية بالموارد المائية تقع تاريحيا ضمن الولاية المصرية. وعندما ثم البدء في انشاء النهر الصناعي صرح بعض المسؤلين المصريين ان هذا المشروع يوثر على مخزون نهر النيل ، وانه ربما يكون هناك تداخل بين المياه الجوفية في ليبيا ،والمياه الجوفية في مصر ،
وقيل وقتها ان مصر وضعت سيناريوهات متعددة لوقف تنفيد المشروع في حالة تبوث تاثيره على نهر النيل . وعندما نشب الاقتتال في العام 2021 بين الاطراف الليبية المتصارعة على السلطة والمال ،وقفت مصر الى جانب احد الاطراف ،واعتبرت ان الهلال النفطي في ليبيا _الذي يقع ضمن نطاق المنطقة الوسطى _هو خط احمر بالنسبة لمصر .
وفي العام 2022 اصدر الرئيس المصري قرارا بتحديد الحدود البحرية الغربية لمصر في البحر المتوسط، ودون الاتفاق مع الدولة الليبية، وقد انطوى هذا القرار على تعدي صريح على المياه الاقليمية الليبية، واستغلال للثروة البحرية الموجودة فيها .علاوة على ذلك كله فإن تهريب النفط الليبي الى مصر يثم كل يوم تقريبا ،وبوتيرة متزايدة وعبر الحدود البرية والبحرية .
ان الخطوات المصرية المشار اليها سابقا ،ومايمكن ان تقوم به من خطوات لاحقة ،لاتنسجم مع علاقات الاخوة وحسن الجوار ،خاصة وان مصر كدولة جارة تستفيد بشكل غير مباشر منذ عقود طويلة من الثروة النفطية في ليبيا من خلال تواجد ملايين العمال المصريين في ليبيا ،او من خلال حركة التجاري بين البلدين ،او حتى من خلال المساعدات التي تقدمها ليبيا لمصر.
واذا كان هناك من حقيقة يجب ذكرها وهي ان الانقسام السياسي في ليبيا ،وصراع الاطراف الليبية على السلطة والمال،هو السبب الذي فتح الباب لاطماع بعض الدول في الهيمنة على الثروات الليبية،ومحاولة انتهاك سيادتها ،بل ان بعض هذه الاطراف المتصارعة يساعد على خلق وتنفيد هذه الاطماع.
وفي خصوص الاتفاقية المصرية الكورية ،علاوة على إنها مرفوضة في كل مايتعلق بليبيا،التي هي ليست طرفا في هذه الاتفاقية،ةبالتالي ليست معنية بها،وليبيا التي تمتلك شاطي طويل على البحر المتوسط (2000 ك.م تقريبا) لديها عدد كبير من المواني النفطية الحديثة ، سواء في المنطقة الشرقية او المنطقة الوسطى او المنطقة الغربية ،،وميناء الحريقة النفطي بمدينة طبرق ،على الساحل الشرقي للبلاد يعمل بكامل طاقته ،وهو اقرب لتصدير النفط الليبي الى اوروربا من اي ميناء مصري .
وتقع على الاجسام السياسية الحاكمة مسئولية تحييد خلافاتهم جانبا ،والوقوف صفا واحدا ضد الاطماع التي تستهدف ثروات الليبين ،سواء النفطية منها او المائية او غيرها .
بقلم: الدكتور .مسعود المهدي السلامي أستاذ الاقتصاد السياسي