الدكتور مسعود المهدي السلامي: أستاذ الاقتصاد السياسي بالجامعة
دخل الشارع الليبي في معركة الصراع السياسي وما نجم عنها من تداعيات بعد أن ضاق الليبيون درعا من تردي اوضاعهم المعيشية التي وصلت إلى حد الإفقار المتعمد نتيجة تدني المرتبات، وانخفاض قيمة الدينار أمام العملات الاجنبية ،والارتفاع الفاحش في أسعار السلع الأساسية،مما ادى الى ارتفاع تكلفة المعيشة، وتحول اعداد كبيرة من الليبيين الى فقراء.ومعوزين في دولة تعوم فوق بحيرة من النفط والغاز، وتمتلك ثروات طبيعية هائلة.
وقد شهدت المدة القليلة الماضية ارتفاعا كبيرا وغير مسبوق في أسعار الدواجن والبيض اللتين يعتمد عليهما المواطن الليبي بشكل اساسي في استهلاكه اليومي، حيث ارتفع سعر كيلو لحم الدجاج من 10دينار إلى 17 دينار، وارتفع سعر طبق البيض من 10.5 دينار إلى 22 دينار، مما دفع نشطاء إلى إطلاق حملة شعبية في وسائل التواصل الاجتماعي لمقاطعة استهلاك الدواجن والبيض رفعت شعارات(قاطعوا الدجاج والبيض )و (وقاطع مش ح تموت )و (ارجوك لاتشتري البيض ).
وتأتي هذه الحملة الشعبية بعد الارتفاع الجنوني في أسعار البيض والدجاج ،وفشل الأجهزة المختصة في القيام بدورها في مراقبة وتحديد الأسعار، ومعاقبة كل من يتسبب في احتكار هذه السلع من قبل التجار الجشعين او مايعرف بتجار الأزمات،الذين يتعمدون التلاعب واخفاء السلعة لبيعها لاحقا بأسعار مضاعفة.علاوة على عدم قيام المصانع الوطنية بكتابة سعر المنتج من قبلهم، لقطع الطريق امام تلاعب التجار ومحال التجزئة في أن يكون هامش الربح معلوما للمستهلك.
وشهدت حملة المقاطعة تصاعدا ملحوظا،حيث بدأت الحملة في طرابلس ،ثم امتدت إلى مدن أخرى مثل بنغازي ومصراته وسرت، و انظم إليها عددا من المطاعم والمقاهي والمحال التجارية. كما شهدت الحملة توسعا في المقاطعة لتشمل منتجات أخرى ارتفعت أسعارها هي ايضا مثل اللحوم الحمراء ومشتقاتها والاسمنت بمختلف أنواعه.
ودعا ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي الى توسيع حملة المقاطعة لتشمل السلع والخدمات المرتبطة بالدجاج والبيض مثل الشاورما والشواء والحلويات.
وحسب نائب رئيس اتحاد جمعيات حماية المستهلك احمد الكردي ان مقاطعة شراء اللحوم الحمراء والأسمنت جاءت بعد أن وصل سعر لحم الخروف الوطني إلى 80دينار للكيلو الواحد، وسعر الاسمنت المنتج محليا إلى 57 دينار للقنطار .وقال رجل الاعمال حسني بي ان اي منتج وطني غير مدعوم من الدولة هو عرضة لسياسة العرض والطلب، ولاتوجد قوانين ناظمة للتربية ومكافحة الأمراض وتعويض المربين في حالات الحروب وانتشار الاوبئة.
وتهدف حملة المقاطعة الشعبية إلى إجبار السلطات المختصة على السيطرة على الأسعار، وتفعيل دور الأجهزة الرقابية الغائبة عن المشهد تماما،وعدم ترك المواطن فريسة لجشع تجار الأزمات، ومعاقبة المخالفين منهم للتسعيرة المحددة وجعلها في متناول المواطن ،وإيجاد قوانين تقر مبدأ المنافسة العادلة،وتحمي المستهلك الذي انخفضت قدرته الشرائية الى الحد الأدنى، خاصة مع فرض ضريبة 27%على مبيعات النقد الأجنبي،التي رفعت أسعار اغلب السلع الأساسية إلى اكثر من 30%.
وحسب المحلل الاقتصادي محمد عبود ان الغرض من حملة المقاطعة هو الوصول إلى سعر عادل للدواجن والبيض واللحوم الحمراء والاسمنت التي قفزت أسعارها إلى معدلات قياسية لاتتناسب مع قدرة الطبقات الفقيرة الأكثر هشاشة.
ورغم أن اسلوب المقاطعة غير رائج في ثقافة المستهلك الليبي بشكل عام، إلا أن حملة المقاطعة تشهد استجابة واضحة في الأسواق ألتي تشهد تراجعا ملحوظا في أقبال الناس على شراء البيض والدواجن أن سلاح مقاطعة السلع هو ضمان قوي للمستهلك من اجل تخفيف غلاء الأسعار، والضغط على الموردين والتجار الجشعين للالتزام بالتسعيرة المحددة ،ودفع السلطات المختصة إلى اتخاد الإجراءات الرادعة ضد المتاجرين بقوت الليبيين. كما ان حملة المقاطعة الشعبية هي ثقافة جيدة واسلوب حضاري لرفض الاستغلال، تنم عن الوعي الشعبي، من المفترض اتباعه باستمرار في ظل الغياب التام لجهات الاختصاص في حكومة الوحدة الوطنية، والحكومة الموازية لانشغالهم بمصالحهم الخاصة.ومن المهم جدا أن تستمر مثل هذه الحملة وتتوسع لتشمل سلع أخرى.