Skip to content

الدخل والإنفاق الأسري في ليبيا بين الواقعية والأبعاد السياسية

أصدرت مصلحة الاحصاء والتعداد بوزارة التخطيط بحكومة الوحدة الوطنية التقرير السنوي لسنة2022_ 2023 حول الدخل والانفاق الأسري، بعد توقف اعداده ونشره دام 14 عاما.

وتأتي أهمية هذا التقرير الذي شمل عينة مسح تتكون من 42 ألف و 514 فردا موزعين على 7 مناطق في ليبيا، بهدف الكشف عن مدى كفاية الدخل الشهري في سد الاحتياجات الاساسية للأسر الليبية.

كما تأتي اهمية التقرير في محاولة لتوفير البيانات الإحصائية والمؤشرات التقديرية التي تساعد في تحسين مستوى الدخل، ووضع الخطط التنموية التي يمكن تنفيذها في المستقبل، وصياغة السياسات العامة، لتحسين جودة الحياة في ليبيا خاصة في الجانب الاجتماعي، مما يساهم في فهم اعماق التحولات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.

وحسب ماورد في التقرير فقد كشفت النتائج الاولية لمسح الدخل والانفاق الاسري، أن متوسط الانفاق الشهري للأسر الليبية يصل الى 3089 دينار لأسرة مكونة من 5 افراد تقريبا، فيما يبلغ متوسط مصاريف الفرد 595.09دينار تقريبا، ومتوسط الدخل 1500دينار .

ويتوزع الانفاق العام لدخل الأسرة كالاتي:

1250 دينار تنفقها الأسرة على استهلاك المواد الغدائية، أي ما نسبته 41% من الدخل

750 دينار تنفقها الأسرة على السكن، أي ما يعادل 23.89% من أجمالي الدخل الشهري.

321.6 دينار تنفقها الاسرة الليبية على الملابس والاحذية، اي ما نسبته 10.38%.

126.23دينار تنفقها الاسرة على التعليم، اي بنسبة 4.18%.

125 دينار تنفقها الاسرة على الصحة، اي ما يعادل 4.14% من إجمالي الانفاق.

علاوة على الانفاق على الأثاث والترفيه والثقافة والمطاعم والسجائر.

وكان البنك الدولي قد وضع ليبيا في تصنيفه لعام 2022 ضمن الدول ذات متوسط الدخل الاعلى، التي يتراوح دخل الفرد فيها بين 4.256 الاف دولار  و13الف و205 دولار ،مستندا في تصنيفه  الى الدخل القومي  المحول الى الدولار الامريكي .

كما حلت ليبيا في المرتبة الاولى بين الدول المغاربية، و73 عالميا في التصنيف الذي وضعته مجلة غلوبال فايننس البريطانية عن اغنى دول العالم للعام 2023, من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي. ووفقا لتصنيف المجلة يبلغ نصيب الفرد الليبي 24.5 الف دولار ،من الناتج المحلي الاجمالي .

كذلك كشف تقرير الثروة العالمية الصادر عن مؤسسة كريدي سويس البنكية، ان متوسط الثروة في ليبيا في العام 2022 يبلغ 13الف و 420 دولارا للشخص الواحد.

ويأتي تأكيد البيانات الدولية عن ارتفاع نصيب الفرد من الناتج المحلي، في وقت يشتكي فيه المواطن من ارتفاع اسعار السلع، وتدني قدرته الشرائية، على عكس ما جاء في التقارير الدولية حول ارتفاع دخل المواطن الليبي.

وما جاء في تقرير مصلحة الاحصاء والتعداد حول الدخل ومتوسط الانفاق الاسري، يتناقض مع ورد في البيانات الدولية حول ما يجب ان يحصل عليه الفرد من الثروة.

يقول المحلل الاقتصادي حسين البوعيشي ان المؤشرات التي وردت في التقرير تعتبر جيده، ويمكن التعويل عليها لقياس متوسط حجم الانفاق الاسري في بلاد تشهد  الانقسام وعدم الاستقرار السياسي .

ويمكن القول ان الارتفاع في الانفاق الاسري الشهري والسنوي، هو نتيجة إنخفاض قيمة العملة والقوة الشرائية للدينار الذي فقد ثلثي قيمته الشرائية تقريبا، وليس بسبب التحسن في الدخل نتيجة زيادة المرتبات الشهرية للأفراد ، ومعدل  الدخل يوضح عدم قدرة  عدد كبير من  الاسر على تأمين ابسط المتطلبات المعيشية،   وتعاني من الظروف المعيشية  الصعبة، خاصة الطبقات الهشة ،وهو ما يؤكده تصريح  مكتب الشؤون الانسانية والطواري بالمؤسسة الوطنية لحقوق الانسان ،والتقرير الصادر عن مؤسسة الاحصاء والتعداد  حول ان  نسبة الفقر في ليبيا ارتفعت الى 40%خلال العام 2023.

وواضح ان تقرير مصلحة الاحصاء والتعداد بوزارة التخطيط التابعة لحكومة الوحدة الوطنية رغم انه اورد  بعض المؤشرات الحقيقية عن مستوى الدخل والانفاق الاسري ،إلا انه  يحمل في جانب منه  ابعادا لأغراض سياسية  تسوق لها حكومة الوحدة الوطنية، في مواجهة خصومها من الاطراف السياسية الاخرى، حول تعافي الدخل وقدرة الاسر الليبية على الانفاق على  متطلبات الحياة الاساسية  ،خاصة ان التقرير يتزامن صدوره مع  اتهامات حول  ضلوع  حكومة الوحدة الوطنية  في تجاوزات والفساد المالي والاداري ، وتبديد المال العام، مما  اثر على مستوى حياة  شريحة كبيرة من الليبيين الذين ضاقت بهم ابسط سبل الحياة الكريمة.

وقد حاول التقرير ان يظهر قدرة الافراد على الانفاق، قياسا على مستوى الدخل، وان متوسط الدخل العام يكفي لسد الاحتياجات الاساسية  للأسر الليبية، وهو  امر مخالف للواقع، و يتغافل عن معاناة شريحة واسعة من الليبيين في توفير متطلبات الحياة الاساسية، علاوة عن التفاوت الحاد في  مستوى الدخل  بين الافراد والاسر الليبية، فهناك فئات تصل دخولها الشهرية مثل الوزراء والنواب ومديري شركات والمصارف والسفراء وغيرهم  الى 50الف دينار شهريا، فيما لا تزيد دخول  بعض الفئات الاخرى عن  1000دينار شهريا . والتفاوت الحاد في الدخل بين الافراد لا يعطي مؤشر واقعي عن متوسط الانفاق.

كما انه وبالنظر الى حالة الانقسام السياسي والاقتصادي والمناطقي ،ووجود حكومتين متنازعتين تقوم كل منها بالإنفاق دون التنسيق مع الاخرى، والتوسع في الانفاق الموازي، يجعل  هناك صعوبة في قياس مستوى  الدخل  والانفاق العام في كل المناطق. هذا بالإضافة الى التفاوت في مستوى الأسعار وغلاء المعيشة بين المناطق في ليبيا، فعلى سبيل المثال ان مستوى الارتفاع في الاسعار  في بعض مدن الجنوب النائية الفقيرة يفوق  غيره من المدن في مناطق الغرب  والشرق في ليبيا .

 

بقلم: الدكتور مسعود المهدي السلامي أستاذ الاقتصاد السياسي

أشهر في موقعنا