Skip to content

الرقابة على المصرف المركزي: هل هي وصاية دولية أم دعم لاستقلالية المصرف؟

 

الدكتور مسعود المهدى السلامي.
استاذ الاقتصاد السياسي بالجامعة.

عقد خلال الأسبوع الماضي بتونس الاجتماع الليبي _ الامريكي الذي نظمته وزارة الخزانة الأمريكية بخصوص مستقبل مصرف ليبيا المركزي، شارك فيه نائب وكيل وزارة الخزانة الأمريكية والسفير الامريكي لدى ليبيا، وعدد من الخبراء الماليين الامريكيين، فيما شارك من الجانب الليبي ناجي عيسى محافظ مصرف ليبيا المركزي الجديد ، ورئيس ديوان المحاسبة ،ورئيس اللجنة المالية بمجلس النواب.

ورغم أن هذا الاجتماع ليس الأول من نوعه، فقد سبق وأن عقدت لقاءات عدة مماتلة بشأن الترتيبات المالية، و بحث حيادية واستقلالية عمل المصرف المركزي ، إلآ أن هذا الاجتماع أتى بعد اقالة المحافظ السابق الصديق الكبير، وفي إطار الرؤية الأمريكية الجديدة لعمل المصرف المركزي، والتي نتجت عن معرفة حجم الأموال والتعاملات التي تتم خارج أطار قنوات المصرف، والتي تقدر بنحو 60 مليار دينار ، والتي يشوبها حدوث حالات فساد كبيرة خاصة في الاعتمادات المستندية وتهريب وهدر للمال العام، واستمرار حالة الضبابية في عملية التحويلات المالية الخارجية والتي تتم بدون ظوابط قانونية.
وقد آثار الاجتماع جدلا واسعا وتساؤلات عدة حول الاهداف التي تسعى الولايات المتحدة الأمريكية من وراء هذا الاجتماع، ، خاصة وأن الخطوة الأمريكية اتت مباشرة بعد اقالة المحافظ السابق الصديق الكبير وتولي ناجي عيسى محافظا جديدا للمصرف، ويبرز التخوف من أن تتحول الخطوة الأمريكية تجاه المصرف المركزي من مقترحات لاصلاح وضع المصرف إلى فرض نوع من الوصاية الأمريكية والدولية على المصرف المركزي، والاتجاه، الى التحكم في ادارة الموارد المالية للبلاد.
وقد تباينت الاراء في هذا الخصوص بين مرحبا بهذه الخطوة ويراها ضرورية لانقاد المصرف من عبث الأطراف السياسية التي يحاول كل منها السيطرة عليه، وبين رافضا لهذه الخطوة ويرى فيها سيناريو خطير يهدف إلى الاستيلاء على هذه المؤسسة المالية المهمة .
و في الجانب الاول ترى عضو مجلس النواب نعيمة ابوراص أن المقترح الامريكي لتعيين مراقبين دوليين للمصرف يأتي في إطار دعم هذه المؤسسة المالية الليبية لاستعادة توازنها واستقرارها وحياديتها التي فقدتها منذ سنوات .ويذهب عضو مجلس النواب علي التكبالي في نفس الاتجاه حيث يقول “ان الولايات المتحدة قالت انها ستراقب ،ويجب أن تراقب عمل مصرف ليبيا المركزي ،لأن الليبيين حسب قوله لم يستطيعوا أن يفعلوا شيء ، مضيفا ،أن يأتي شخص اجنبي ويراقب ، على الأقل يضمن الشفافية الحقيقية للمصرف”.
وحسب هذا التوجه تعكس الرعاية الأمريكية للاجتماع الذي عقد في تونس الإهتمام الامريكي والدولي بمصرف ليبيا المركزي الذي يحتاج في جانب منه إلى متابعة دولية ،ووجود مستشارين دوليين يضمنوا الحفاظ على استقلالية عمل المصرف، وحياديته ، لكن دون فرض سياسات اقتصادية على الليبيين تحرمهم من حقوقهم،، فالارادة الوطنية لايمكن التنازل عنها، ويجب على الولايات المتحدة تقديم المشورة والمساعدة الفنية اللازمة، ودعم مصالح الدولة الليبية للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والمالي والسياسي في ظل الظروف الصعبة ألتي تمر بها البلاد
على الجانب الآخر ،يرى المعارضون أن الخطوة الأمريكية لاتأتي بخير على ليبيا، بل تهدد سيادة البلاد على مواردها المالية ،وتمتل خطرا على مستقبل الاقتصاد الليبي ،وتفتح الباب أمام التدخلات الدولية، وتجعل ليبيا رهينة لضغوط المؤسسات المالية الدولية، وأن وزارة الخزانة الأمريكية تسعى من وراء الاجتماع التحكم في حركة التدفقات المالية عبر مصرف ليبيا المركزي .
وفي هذا الصدد يقول عيسى التويجر وزير التخطيط السابق “ان الولايات المتحدة لاتسعى إلى ضمان حيادية واستقلالية المصرف المركزي بقدر ماتسعى للتأكد من عدم وصول الأموال إلى اطراف داخلية ودولية تعمل ضد مصالح واشنطن في المنطقة، وهو احد دواعي تخليها عن محافظ مصرف ليبيا المركزي السابق”.
ويشير سعد بن شرادة عضو مجلس الدولة ان الاقتراح الأمريكي نحو تشكيل لجنة مالية دولية لمراقبة حركة الأموال الليبية هو “خطوة أولى نحو سيناريو خطير يشبه سيناريو النفط مقابل الغذاء الذي فرض على العراق خلال فترة الحصار الدولي”.كما حذر الكاتب أبوبكر العربي الورفلي من التدخلات الأمريكية في السياسة المالية الليبية وتحويلها إلى نموذج مشابه للعراق، مؤكدا “أن أمريكا في طريقها للسيطرة على المصرف المركزي من خلال تعيين مستشارين دوليين بحجة إعادة التقة الدولية، ومراقبة الإيرادات والنفقات.”
وفي المجمل، إن ما قاد إلى تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في مصرف ليبيا المركزي، وفتح الباب لعقد الاجتماع في تونس ،التي فرضت من خلاله لحل ازمة المصرف باقتراح لجنة دولية تراقب عمله ،وتضمن عدم تدخل الأطراف السياسية في اختصاصاته ،والتأكد من أن التدفقات المالية التي ترد اليه لا تذهب في ألاغراض التي تتعارض مع المصالح الأمريكية،بالإضافة إلى مراقبة الإنفاق وتوزيع الميزانية.
والاهتمام الامريكي بمصرف ليبيا المركزي يأتي في جانب منه من الانزعاج من شبهات تمويل بعض التنظيمات والأفراد المناوئين للولايات المتحدة مثل الفيلق الافريقي الذي تدعمه روسيا. . يقول الكاتب الليبي المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية محمد بويصير “ان الإهتمام الامريكي بليبيا يأتي من منطلق الامن الاستراتيجي الامريكي، وسببه الاقتراب الروسي من التخوم الجنوبية لأوروبا “.
ويبرز التخوف اكثر من الكارثة ألتي اوصلنا اليها جهابدة السياسة الليبيين من أن تعمد الولايات المتحدة الأمريكية إلى خلق وضع في ليبيا مماتل لما قامت به في العراق وهو برنامج النفط مقابل الغداء والذي استطاعت من خلاله فرض سيطرتها على المصرف المركزي العراقي

أشهر في موقعنا