أعلن وزير المالية في الصين، لان فو آن، خلال أكتوبر الجاري أن بلاده ستطلق قريباً أكبر مساعيها منذ سنوات لمواجهة المخاطر الناجمة عن ديون السلطات المحلية. أثار ذلك توقعات بمبادلة ضخمة لما يسمى بالديون الخفية ما من شأنه أن يضيف حزمة من الاقتراض إلى الميزانيات العمومية الرسمية للحكومات المحلية. من المأمول أن تقلل هذه العملية مخاطر التخلف عن السداد، وتخفض تكاليف خدمة الديون وتمنح المسؤولين المحليين مجالاً أكبر لدعم النمو الاقتصادي.
يشير المصطلح إلى “الالتزامات خارج الميزانية العمومية للسلطات المحلية”، ومعظمها مرتبط بكيانات تُعرف بأنها أدوات تمويل الحكومة المحلية “LGFVs”. وهي شركات تقترض نيابة عن المقاطعات والمدن لتمويل الاستثمار في البنية التحتية مثل الطرق والجسور والمطارات والمناطق الصناعية. وانتشرت أدوات تمويل الحكومة المحلية بعد أن أطلقت الصين حزمة تحفيز ضخمة في أواخر عام 2008 لتخفيف تأثيرات الأزمة المالية العالمية. في ذلك الحين، لم يُكن يسمح للحكومات المحلية رسمياً ببيع سندات، لذلك أسست أدوات التمويل تلك لجمع الأموال وتمويل الاستثمارات.
لا يوجد رقم رسمي لحجم الديون المستحقة. ويُقدر صندوق النقد الدولي أن ديون أدوات تمويل الحكومة المحلية تبلغ أكثر من 60 تريليون يوان (8.43 تريليون دولار) حتى نهاية العام الماضي، أي ما يعادل حوالي نصف الناتج المحلي الإجمالي للصين.
سعى صانعو السياسات على المستوى الوطني لسنوات إلى إصلاح نموذج استخدام الديون الخفية لتمويل أنشطة التشييد. من ناحية، تراجعت العوائد على تلك الاستثمارات، إذ بلغت البلاد فعلياً نقطة تشبع لمشاريع البنية التحتية الكبرى. من ناحية أخرى، جفت الإيرادات الرئيسية التي كانت السلطات المحلية تحظى بها في وقت ما لدعم أعباء الديون الكبيرة، وتتمثل في التدفقات النقدية الناجمة عن بيع حقوق استخدام الأراضي، وذلك بسبب تأزم قطاع العقارات في الصين. وتسبب هذا المزيج من العوامل في تأرجح آليات تمويل الحكومة المحلية في بعض المناطق على حافة التخلف عن السداد.
كيف تحركت حكومة الصين لمواجهة الديون الخفية ؟
حين أدرك صانعو السياسات المخاطر المحتملة التي تهدد الاستقرار المالي، قاموا بتعديل القانون الوطني في عام 2015 وبدأوا في السماح للحكومات على مستوى المقاطعات ببيع السندات رسمياً. بدأت عمليات المبادلة على نطاق واسع، وتمثلت في تداول الديون الخفية مقابل السندات المحلية الرسمية. وبحلول عام 2018، تم الانتهاء من مبادلات بقيمة حوالي 12.2 تريليون يوان.
على الرغم من ذلك، تبين أن فعالية ذلك المسعى هامشية فحسب، وفي عام 2019 اتخذت السلطات الوطنية خطوة أخرى، عبر السماح لبعض المقاطعات في المناطق الأقل نمواً باستبدال ديونها الخفية بسندات رسمية. وجرى بيع ما يقرب من 158 مليار يوان من تلك السندات في ذلك العام في سبع مقاطعات، وفقاً لتقدير محللي “تشاينا تشنغ شين انترناشونال كريديت ريتينغ” (China Chengxin International Credit Rating) بما في ذلك يوان هايشيا.
ثم جاءت خطوة أكبر في أواخر عام 2020، عندما استحدثت الصين أوراقاً مالية عُرفت باسم السندات المحلية الخاصة لأغراض إعادة التمويل. في البداية، تم تصميم تلك السندات للمناطق الأضعف لتقليل التزاماتها خارج الميزانية العمومية. وفي وقت لاحق، توسعت المبادرة لتشمل مراكز اقتصادية مثل بكين وشنغهاي وقوانغدونغ. وفي عام 2021، أصبحت مقاطعة قوانغدونغ الجنوبية الأولى التي تعلن نجاحها في التخلص من الديون الخفية. وبحلول منتصف عام 2022، تم إصدار 1.13 تريليون يوان من السندات الخاصة لإعادة التمويل، وفقاً لتقديرات مؤسسة “تشاينا تشنغ شين انترناشونال”.
وجرى توسيع البرنامج ليشمل عدداً أكبر من المناطق منذ العام الماضي. وقال وزير المالية لان في أكتوبر إنه جرى بيع سندات محلية بأكثر من 2.2 تريليون يوان في عام 2023 في عمليات مبادلة وسداد مستحقات متأخرة للشركات، وتم تحديد حصة أخرى بقيمة 1.2 تريليون يوان لهذا العام.
ما الخطة الآن ؟
قال لان في إحاطة صحفية في 12 أكتوبر إن صانعي السياسات يخططون لتخصيص حصة استثنائية لمبادلة الديون المحلية الخفية، والتي قد تصبح أكبر مبادرة في السنوات الأخيرة. وأضاف أن الحكومة ستنشر المزيد من التفاصيل بمجرد الانتهاء من العملية القانونية.
ولم يحدد الوزير ما إذا كانت هذه الحصة ستطبق على السندات المحلية، كما كان الحال منذ بعض الوقت وحتى الآن، أو ما إذا كانت الحكومة المركزية نفسها قد تصدر أوراقاً مالية لهذا الغرض. سيشكل هذا تطورا كبيراً، لأن السلطات الوطنية تتبنى منذ فترة طويلة مبدأ توجيه المسؤولين المحليين بتحمل مسؤولياتهم الخاصة فيما يتعلق بالتزامات الاقتراض. وتتمثل وجهة النظر هنا في أن التخلص من الديون بقيادة الحكومة المركزية من شأنه أن يعزز المخاطر الأخلاقية.
ذكرت “بلومبرغ” في وقت سابق أن الصين تدرس السماح للسلطات المحلية بإصدار ما يصل إلى 6 تريليونات يوان من السندات حتى عام 2027، وذلك لإعادة تمويل الديون خارج الميزانية العمومية بشكل أساسي.
أما عن موعد ورود المزيد من التطورات، فمن المقرر أن يعقد المؤتمر الشعبي الوطني، الذي يشرف على ميزانية الحكومة وسقف الدين، جلسته السنوية في مارس. وتجتمع هيئته التنفيذية، اللجنة الدائمة، كل شهرين، مع احتمال عقد اجتماع في أواخر أكتوبر أو أوائل نوفمبر.
كيف سيستفيد الاقتصاد الصيني من المساعي الجديدة ؟
وصف الرئيس شي جين بينغ المخاوف بشأن ديون الحكومات المحلية وسوق العقارات والقطاع المالي بأنها “المخاطر الاقتصادية والمالية الرئيسية” الثلاثة التي تواجه الصين.
أدى التدقيق المكثف للاقتراض المحلي إلى زياد حذر المسؤولين على مستوى الأقاليم والمقاطعات والبلديات بشأن المشروعات الاستثمارية الجديدة ودفعهم إلى البحث عن مصادر جديدة للإيرادات. تعهدت بعض المدن “ببيع أي شيء غير مثبت بشكل دقيق” لسداد الديون.
وتواجه السلطات المحلية أحياناً صعوبات لتلبية احتياجات الإنفاق اليومية، فتلجأ أيضاً إلى تأخير مدفوعات المقاولين، وفرض غرامات باهظة، وإغراق الشركات بمطالبات ضريبية قد يعود تاريخها إلى عقود. وتساهم تلك التدابير في تدهور ثقة الأعمال، مما دفع بكين إلى التحذير من إصدار غرامات مفرطة.
كما قد تؤدي مبادلة جديدة للديون إلى خفض تكاليف الفائدة للحكومات المحلية، ومنحها المزيد من الوقت لسداد الالتزامات المستحقة مع إعادة التفاوض على شروط الاقتراض.
واستناداً على حجم البرنامج ومعالمه، فإنه قد يساعد أيضاً السلطات المحلية في سداد المستحقات المتأخرة للشركات، وتقليص حملات جمع الضرائب والتخفيف من إصدار العقوبات. وهذا بدوره يمكن أن يساعد الشركات على تعزيز ميزانياتها العمومية واستقرار مناخ الأعمال الأوسع نطاقاً.
كتب خبراء اقتصاديون في “مورغان ستانلي”، بما في ذلك روبن شينغ، في مذكرة بتاريخ 13 أكتوبر: “حل مشكلة الديون خطوة أساسية في وقف دوامة الانكماش الهبوطي الرئيسية في الصين”. وذكروا أن هذا “مهم بنفس قدر تحفيز الطلب المباشر”.