Skip to content

الليبيون يواجهون حالة من الفقر والعوز

تلاحق الأزمات السياسية والاقتصادية والامنية المتتالية الليبيين، وتنغص عليهم حياتهم، وتسلبهم أبسط ضروريات الحياة، في ظل تآكل القوة الشرائية للأفراد، وتدني مستوى حياتهم المعيشية التي بدأت تتدهور، خاصة مع خروج تكلفة المعيشة وارتفاع أسعار المواد الغذائية التي يعتمد عليها المواطن عن نطاق السيطرة.

مما يعد مؤشرا سلبيا عن انتشار الفقر والعوز على نطاق واسع بين الليبيين، خاصة شريحة دوي الإعاقة والأيتام والارامل والنازحين والمهجرين داخليا، إلى جانب قطاع واسع من الموظفين الذين يعانون من تدني مستوى الدخل.

هذا الواقع الاجتماعي أكده وزير الاقتصاد والتجارة محمد الحويج مؤخرا عندما قال بأن كل المؤشرات الاقتصادية تؤكد بأن 40% من تعداد السكان بدأوا يدخلون في دائرة الفقر والعوز.

وهذا ما أكده قبله الجهاز المركزي للإحصاء الذي أشار إلى إرتفاع معدل الفقر في ليبيا خلال العام 2023 إلى 40% من إجمالي عدد السكان.

من جهة تانية، كشف تقرير صدر مؤخرا عن البنك الدولي عن ارتفاع معدلات الفقر في ليبيا خاصة في مناطق شرق البلاد التي ضربها إعصار دانيال، وبعض مناطق الجنوب، مشيرا إلى أن منطقة تازربو(جنوب البلاد ) تعد المنطقة الاشد فقرا في ليبيا حيث بلغت نسبة  الفقر فيها 80%، تلتها مدينتي درنة وجالو بنسبة 70%.

ووفقا للتقرير ان 46%من الاسر الليبية لا تستطيع تلبية احتياجاتها الصحية في ظل غلاء تكلفة العلاج، وغياب الرعاية الاجتماعية، وأن 13% من الأسر تقوم ببيع ممتلكاتها لتغطية احتياجاتها المالية، وأن 35%من العائلات الليبية تراكمت عليها الديون المالية بسبب حاجتها لتوفير نفقات الطعام.

كما أوضح التقرير أن 796 من العائلات في البلديات التي شملتها الدراسة تعيش تحت خط الفقر، وأن 2896 من هذه العائلات يعيشون بأقل من 3دولار في اليوم، وأن ثلث سكان ليبيا يحتاجون المساعدات الإنسانية.

أسباب انتشار ظاهرة الفقر

إن أنتشار ظاهرة الفقر وتدني مستوى المعيشة لدى المواطن ليس حدثا معزولا أو طارئا، ولا يمكن فصله عن الازمة السياسية وعدم الاستقرار السياسي في البلاد، واتساع ظاهرة الفساد ونهب المال العام التي تغوص فيها البلاد بشكل غير مسبوق، حيث  اصبحت  ليبيا تصنف في مقدمة الدول الأكثر فسادا في العالم، فقد حلت في المرتبة 170 من بين 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد للعام 2023، علاوة على العبث بمقدرات الدولة، واستغلال النفوذ وفق العلاقات الأسرية والقبلية والمناطقية والمصالح السياسية، والتمييز المتعمد في توزيع الثروة والحصول على المغانم المادية.

بالإضافة إلى هذا وذاك، الزيادة الكبيرة في أسعار السلع الأساسية الناجم عن احتكار التجار والموردين، وغياب وتقصير الجهات الرقابية والضبطية عن القيام بدورها، إلى جانب ارتفاع معدلات التضخم، وانخفاض قيمة الدينار، وتدني مستوى الدخل، وارتفاع قيمة الخدمات الصحية خاصة في المصحات الخاصة التي اصبحت أسعار العلاج فيها لا تطاق، ولا يقدر عليها المواطن العادي.

وحسب مدير مركز اويا للدراسات الاقتصادية احمد ابولسين ان النسبة العظمى من الليبيين فقراء بسبب انخفاض القوة الشرائية للدينار بنسبة 70%، وعدم وجود حماية اجتماعية وضمانية للشرائح الفقيرة وسط التضخم والازمات المعيشية المتراكمة في البلاد، مشيرا إلى تأخر إجراءات عملية الاستقرار الاقتصادي مثل معالجة سوق النقد وخفض معدلات التضخم، وحل مشكلات سوق العمل.

ويشير عضو مجلس النواب عبد السلام نصية إلى اسباب انتشار ظاهرة الفقر بالقول، ان انخفاض قيمة الدينار الليبي أمام الدولار بمقدار 5 أضعاف أضر بأكثر من مليون أسرة تعتمد على المرتب كدخل وحيد ورئيسي.

ومن جهتها، عزت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا ارتفاع نسبة الفقر في البلاد إلى عدة اسباب أهمها التضخم المرتفع، وانهيار قيمة العملة المحلية أمام العملات الاجنبية، وارتفاع أسعار السلع الأساسية والغدائية، بالإضافة إلى ارتفاع قيمة الخدمات الصحية، وتدني مستوى دخل الأسر.

وكانت منسقة الأمم المتحدة للشئون الإنسانية في ليبيا قد قالت إن خدمات الصحة والتعليم، وغير ذلك من الخدمات العامة قد تدهورت في ليبيا التي أصبحت تزداد فقرا عاما بعد آخر.

والخلاصة، تتعدد اسباب انتشار ظاهرة الفقر في ليبيا، وتتوسع ابعاده من فقر الدخل وفقر الصحة وضعف الخدمات الأساسية، والمشقة التي يكابدها الليبييون في الحصول على مرتباتهم المتدنية جدا.

وكل هذه الأسباب وغيرها وضعت الطبقة الاشد فقرا في خانة العوز والفاقة، كما ادت الى تلاشي وجود الطبقة الوسطى وانضمامها إلى الطبقة الفقيرة.

ومع استمرار حالة التخبط السياسي والاقتصادي والامني التي تعيشها ليبيا يكابد الليبيون وتزداد معاناتهم من اجل الحصول على الحد الأدنى من احتياجاتهم المعيشية، ويتحول بمرور الوقت الشعور بالفقر والغبن وعدم العدالة والمساواة في توزيع الدخل والثروة إلى دافع للاحتجاج والتظاهر والثورة الاجتماعية.

بفلم: الدكتور مسعود المهدي السلامي: أستاذ الاقتصاد السياسي

أشهر في موقعنا