Skip to content

تنظيم وجود العمالة الأجنبية في ليبيا :بين الضرورة والاثار المتوقعة

يمثل وجود العمالة الاجنبية في ليبيا احد القضايا الاكثر اهمية التي تشغل تفكير الحكومات الليبية المتعاقبة منذ عدة عقود ،لما يسببه وجود هذه العمالة من اثار اقتصادية واجتماعية وامنية ،ومايمكن ان تخلفه من تاثيرات سياسية خاصة في اوقات الازمات والحروب .

ورغم التسليم بدور العمالة الوافدة في عملية التنمية ،والحاجة لها في إعادة الاعمار ،وبناء المرافق التي طالها التدمير نتيجة الازمة السياسية ،إلا ان إعادة تنظيم وجود هذه العمالة من الناحية القانونية ، ووفقا للاتفاقيات المبرمة مع الدول القادمة منها العمالة اصبحت مسألة ضرورية ،أولا، لضمان الاستفادة من هذه العمالة في المهن التي تحتاجها البلاد ،وتانيا للحفاظ على حقوق العمالة نفسها ، ومنع استغلالها او مخالفتها للقانون ،وثالثا ،منعا لان تتحول قضية العمالة الوافدة الى قضية مساومات سياسية تستغلها بعض الدول ضد ليبيا ، خاصة في مواضيع تتعلق بحقوق الانسان ومحاربة التمييز ،وسوء المعاملة والاستغلال .

 

واقع وجود العمالة الاجنبية في ليبيا .

 

منذ اكتشاف النفط في نهاية خمسينيات القرن الماضي ،ومع بداية عملية التنمية والتطوير ،بدأت العمالة الاجنبية تتوافد على ليبيا ،وتزايد عددها بشكل مضطرد خلال حقبة النظام السياسي السابق ،حتى وصل عددها الى نحو 200 الف عامل في العام 1973 اي بنسبة 8.8%من عدد السكان وقتها ،ثم بدأ العدد يتزايد اكثر خاصة من دول الجوار مصر (العدد الاكبر )وتونس والمغرب وتشاد والنيجر والسودان ،بلاضافة الى العمالة الوافدة من بعض الدول الاسيوية ودول اوروبا الشرقية سابقا .وقد ساعدت عضوية ليبيا في الاتحاد الافريقي واتحاد دول المغرب العربي في دخول الافارقة ومواطني دول المغرب العربي بدون تأشيرة في زيادة عدد الداخلين لليبيا منهم

.وعلى الرغم من عدم وجود احصاءات دقيقة و موتوق بها فان عدد عدد العمال الاجانب بلغ في فترة التمانينات وما بعدها مايزيد عن 3مليون عامل ،كانت النسبة الاكبر منهم من دولة مصر ،حيث قدر (الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء المصري) ان عدد المصريين الموجودين في ليبيا في فترة التمانينات والتسعينات وحتى العام 2011 يزيد عن 2 مليون مصري .

وحسب رئيس شعبة الحاق العمالة بغرفة القاهرة ان 90% من العمالة الموجودة حاليا ،و التي كانت موجودة سابقا تعمل في ليبيا بطريقة غير شرعية ،وان 10%فقط من هذه العمالة تأتي عن طريق وزارة القوى العاملة المصرية .

وقد كشفت النتائج الاولية لمسح سوق العمل الليبي (وزارة العمل والتأهيل ) ان عدد العمالة الاجنبية الموجودة حاليا في ليبيا يقدر بما يزيد عن 2.1مليون عامل حتى نهاية العام 2022 ،يأتي اغلبهم من دول مصر ( النسبة الاكبر ) والسودان وتونس والمغرب والنيجر وتشاد ونيجيريا وبنغلاديش ،وبعض الجنسيات الاخرى .وتؤكد بعض التقارير المتخصصة ان 70% من العمالة الاجنبية في ليبيا تعمل بطريقة غير قانونية. وحسب (إدارة البحوث والاحصاء بمصرف ليبيا المركزي ان حجم تحويلات العمالة الاجنبية التي تتم عبر السوق الموازي (السوق السوداء) يتجاوز 12.5مليار دينار ليبي اي مايعادل 2.6 مليار دولار.

واشار المسح (وزارة العمل ) ان اغلب العمالة الاجنبية تعمل في القطاع غير الرسمي الذي يشكل 60% من الناتج المحلي الاجمالي .

ومن المعلوم ان جل هذا العدد الضخم من العمالة هي عمالة غير مدربة ، ,وهي تعمل في مهن تانوية مثل الزراعة واعمال البناء وفي المخابز والورش ،وهي تستفيد من دعم المحروقات والكهرباء ،وتؤثر على فرص العمل المتاحة لليبيين .

 

التاثيرات السلبية للعمالة الوافدة .

 

مع تزايد اعداد العمالة الوافدة ،وفي ظل الازمة السياسية والاقتصادية التي تعاني منها البلاد فإن هذا العدد الكبير من العمالة الوافدة سيضغط على ميزان المدفوعات الليبي ،لان كل تحويلاتها الى خارج البلاد هي بالعملة الصعبة ،بالاضافة الى ارتفاع ، نسبة البطالةبين الليبيين التي وصلت الى 15%حسب بعض التقديرات،وارتفاع معدلات الانفاق في المرافق الصحية والسكنية والتعليمية والمواصلات وغيرها من الخدمات العامة كما يؤثر انخفاض مستوى الكفاءة الانتاجية للعمالة الوافدة على جودة المتتج المحلي ،وان اغلب هذه العمالة في ظل غيابوالقانون المنظم لوجودها لاتقوم بدفع الضرائب او مقابل بعض الخدمات التي تحصل عليها .

.كما يبرز التخوف من ان تصبح الكتلة الاجتماعية الوافدة اغلبية ،و تتسبب في نشر الامراض وبعض السلوكيات والقيم الغريبة عن المجتمع الليبي. من جانب اخر قد يقوم البعض من صعاف النفةس باستغلال بعض العمالة الوافدة في ممارسات ونشاطات غير قانونية مثل تجارة المخدرات والتهريب والاتجار بالبشر ، وغيرها من السلوكيات الممنهجة والمخالفة للقانون

 

ان من الواجب تنظيم وجود العمالة الاجتبية ،بحيث تؤدي دورها بالمشاركة في عملية التنمية والبناء في ليبيا ،ولكي يتم المحافظة على حقوقها ،ويمنع استغلالها في اعمال غير مشروعة ، او انتهاك ادميتها.

وقد بدات ليبيا منذ العام 2007او قبلها في مراجعة وضع العمالة الاجنبية ،ومحاولة تسوية وضعها ، وتحديد شروط الاقامة والعمل فيها ،وفقا للقوانين والقرارات المعمول بها في هذا الخصوص. وقد صدر فيوهذا الخصوص عددا من القوانين والقرارات التي وجود العمالة الاجنبية في ليبيا منهاالقرار رقم (68) لسنة العام 1974 بشأن لائحة استخدام الاجانب وطلب الحصول على إدن عمل للاجنبي ،والقانون رقم (12)لسنة 2010 الذي تنص المادة (9) منه “انه لايجوز لغير الوطنيين ان يزاولوا عمل إلا بعد ترخيص من الجهات الجهات المختصة ،كما لايجوز لجهات العمل إستجلاب غير الوطنيين او التعاقد معهم .

وقرار وزير العمل رقم (392) لسنة 2021 بشان ظوابط استجلاب واستخدام العمالة الاجنبية ،وهذا القرار وضع معايير جديدة في نسب ومجالات استخدام العمالة الاجنبية واستجلابها سواء من قبل الشركات الاجنبية المعتمدة او الشركات الوطنية (المصدر وزارة العمل والتأهيل ).واخيرا قرار وزير الاقتصاد بحكومة الوحدة الوطنية رقم (508)لسنة 2022 والذي ثم بموجبه حظر ممارسة كافة الانشطة التجارية بالتجزئة او الجملة على غير الليبيين .(المصدر وازارة الاقتصاد ).

وفي هذا الخصوص يقول الخبير الاقتصادي محسن دريجة ان كل الدول تفرض في قيود على عمل الاجانب حتى تمكن مواطنيها من العمل اذا توافرت لديهم المهارات المطلوبة ،وان الدول تسمح فقط لأصحاب المهارات التي هي في حاجة لها .وعادة ماتلجأ الدول الى تنظيم وجود العمالة الاجنبية لحماية اقتصادها ،ومنع وجود اي تشوهات قد تصيبه من جراء تكدس العمالة الاجنبية خاصة غير المدربة منها ،وإعطاء الاولوية في العمل لمواطنيها .

بقلم : الدكتور مسعود المهدي السلامي  أستاذ الاقتصاد السياسي 

أشهر في موقعنا