الدكتور: مسعود المهدي السلامي: أستاذ الاقتصاد السياسي بالجامعة
بدأ مصرف ليبيا المركزي في سحب فئة 50 دينار من العملة الليبية من التداول اعتبارا من الأحد 21 ابريل حتى نهاية شهر أغسطس القادم. وقد جاء في إعلان المصرف عن سبب اتخاد هذه الخطوة” ان سحب فئة 50 دينار من التداول تم بسبب ارتفاع معدلات تزويرها، وتعذر تمييز العملة السليمة من العملة المزورة من قبل المواطنين، واتساع نطاق تداولها، وأن الاقتصاد الليبي سيشهد المزيد من الفوضى إن لم يتخذ المركزي هذه الخطوة. ”
وقد اختلفت أراء المختصين والمحللين الاقتصاديين حول القرار بين من يراه قرارا متسرعا وغير مدروس بعناية خاصة في الظروف الحالية التي يشهد فيها الاقتصاد الليبي حالة من عدم الاستقرار والتخبط، وبين من يراه قرارا صائباً ومطلوبا للقضاء على عملية التزوير التي تعرضت لها هذه الفئة من العملة، وضرورة سحبها من التداول للمساهمة في استقرار عرض النقود، وإتاحة الفرصة لإصدارات فئة جديدة من العملة تكون امنة ويصعب تزويرها، وتلبي حاجة الأفراد في الحصول على المتطلبات الأساسية للحياة.
وحسب أصحاب الرأي المعارض، أن سحب فئة 50 دينار من التداول قد يزيد من عدم الثقة في النظام المصرفي الذي يعيش حالة من التخبط وعدم اليقين خاصة في الجانب المتعلق بعرض النقود، كما انه اي النظام المصرفي يعاني من الهشاشة والفساد ونقص السيولة، وانخفاض قيمة الدينار امام العملات الأجنبية، ويرى هؤلاء انه كان يجب اتخاد جملة من التدابير والتحوطات التي تؤمن سحب هذه الفئة من العملة دون اضطرابات، وتمنع ظهور اي آثار جانبية يتحمل تبعاتها المواطن في النهاية.
وفي هذا الخصوص يرى استاذ الاقتصاد بالأكاديمية الليبية عمر زرموح أن سحب فئة 50دينار من التداول، يربك الجهاز المصرفي ويزيد من عدم الثقة في الجهاز المصرفي، وكان يجب استبدال عملة بعملة أخرى في المصارف دون اضطرابات، وبما يحفظ الاستقرار في الأسواق.
اما الخبير الاقتصادي والأستاذ في جامعة بنغازي علي عطية فيقول إن المصرف المركزي لم يعالج أسباب مخاوف المواطنين، من مخاطر سحب فئة 50 دينار، وحسب رأيه كان على المصرف المركزي تجهيز مبالغ مالية كافية بديلة لكي يتم ضخها في المصارف التجارية، حتى يستطيع المواطن الذي أودع سيولته النقدية الحصول على بديل مناسب من العملة الكاش يستطيع استخدامها للأغراض الضرورية.
في الجانب الآخر، يرى العديد من المختصين أن قرار سحب فئة 50 دينار من التداول قرار صائب بالنظر إلى وجود عمليات تزوير في هذه الفئة، واستخدامها من قبل التجار وسماسرة العملة كملاذ لاكتناز العملة، مما تسبب في نقص المعروض من النقود في السوق.
وفي هذا الصدد يقول رجل الاعمال حسني بي ان قرار المصرف المركزي سحب فئة 50دينار من التداول قرار ممتاز.، مشيرا إلى القيمة الإجمالية لهذه الفئة تقدر ب 23 مليار دينار.
كما اشاد المحلل الاقتصادي مختار الجديد بالقرار، محذرا من خطورة دخول الاقتصاد الليبي في مزيد من الفوضى لو لم يتخذ المركزي هذه الخطوة.
والخلاصة: من الواضح أن هناك تباين بين المختصين والمحللين الاقتصاديين حول قرار سحب فئة 50دينار من التداول من جهة، والمخاوف بين المواطنين من تبعات هذه الخطوة، وتداعياتها السلبية على وضعهم المعيشي من جهة اخرى، لأن النقود هي وحدة التعامل التي يعتمد عليها الافراد في تأمين متطلبات حياتهم اليومية، وأن اي نقص في المعروض منها يثير المخاوف، ويحدث حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي، ويؤثر على حياة الناس.
غير إنه يمكن القول ان سحب فئة 50دينار من التداول امرا اقتضه المصلحة العامة، وما يمكن أن يخلفه استمرار تداول هذه الفئة من اثار سلبية على الاقتصاد، حيث تشير البيانات الرسمية ان العملة المتداولة خارج القطاع المصرفي تبلغ 43.15مليار دينار، دون احتساب العملة المطبوعة في روسيا والتي تقدر ب 23 مليار دينار. علاوة على أن هذه الفئة من العملة تتعرض للتزوير، وما يقال عن استخدامها في أنشطة تهدد الامن الوطني الليبي، فقد اوردت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية ان روسيا اغرقت ليبيا بالعملة المزورة من فئة 50دينار، وانه يتم استبدال وغسل المبالغ المزورة من هذه الفئة في السوق الموازي بالعملات الأجنبية مثل الدولار واليورو. علاوة على استعمال هذه الفئة من العملة في الاكتناز وإخفاء النقود خارج المنظومة المصرفية من قبل التجار وسماسرة السوق السوداء، مما تسبب في نقص المعروض من العملة المتداولة في السوق الرسمي.
كما ان هناك خطورة في أن تستخدم هذه الفئة في أنشطة غير قانونية متل غسيل الأموال، وغيرها من الانشطة الأخرى غير قانونية.
وبالتالي فإن الضرورة تقتضي سحب فئة 50دينار من التداول واستبدالها بفئات اخرى يحتاجها الناس اكثر، ولكن وفق شروط وضوابط، وإجراءات قانونية صحيحة وسليمة، وبما يتلائم مع السياسة النقدية والمالية للدولة
في الجانب الآخر، تعكس عملية سحب فئة 50 دينار من التداول فشل المصرف المركزي في تطوير القطاع المصرفي، وربط جميع المصارف إلكترونيا، وتوفير الخدمات عبر الإنترنت، وعدم قدرته على وضع الخطط المناسبة للتقليل من تعامل المصارف التجارية بالكاش (النقدي) واستبداله بالتعامل بالبطاقات المصرفية، وعدم تفعيل المصرف لعملية المقاصة، خاصة في المعاملات النقدية الكبيرة. تجنبا لهدر الكثير من الأموال في طباعة العملات الورقية.