الدكتور مسعود المهدى السلامي.
أستاذ الاقتصاد السياسي بالجامعة
تحول مصرف ليبيا المركزي الى جبهة جديدة ساخنة من جبهات الاقتتال بين الأطراف الليبية المتشبة بالسلطة،وبدأت تظهر وبشكل متتابع الآثار السلبية لهذا الاقتتال على الاقتصاد الوطني، وعلى حياة الليبيين الذين زادت معاناتهم وضاقت سبل الحياة أمامهم
وقد احتدم الاقتتال والصراع بين هذه الأطراف للقبض على خزائن(بيت مال الليبيين ) المصرف المركزي ،ومخزن قوتهم و مصدر حياتهم المعيشية، وزادت حدة الصراع وتوسعت اطرافه وأخد ابعاداً وتداعيات ويخلف أثاراً سلبية على الوضع المالي والاقتصادي للبلاد، وتهديدا مباشرا لمستقبل الوطن برمته
ومنذ الأحد الماضي توقف عمل القطاع المصرفي، واصيب بالشلل التام ،فقد توقفت جميع الخدمات المالية المقدمة عبر مصرف ليبيا المركزي مثل شراء العملة الأجنبية وقبول الصكوك وتنفيذ الحوالات المحلية وتمرير الاعتمادات والحوالات الخارجية،واصبحت المصارف التجارية عاجزة ع تقديم ابسط الخدمات المصرفية لعملائها. ولم تتوقف تداعيات ازمة مصرف ليبيا المركزي عند هذا الحد ،فقد طالت تداعياتها
السلبية قطاعات مهمة اخرى مثل قطاع النفط الذي تم اقحامه بشكل متعمد في هذه الأزمة، حيث اعلن رئيس الحكومة الموازية وغير المعترف بها دوليا أسامة حماد فرض حالة القوة القاهرة على جميع الحقول والمواني النفطية، وإيقاف تصدير النفط، الى حين كما قال حماد عودة الصديق الكبير لمباشرة مهام عمله محافظا لمصرف ليبيا المركزي ،وتراجع المجلس الرئاسي عن قراره بتكليف محمد الشكري بدلا عنه. والاخطر من كل هذا أن الازمة اخدت منحى مناطقيا بإعلان المتحدث بأسم مجلس أعيان الواحات التوجه نحو أغلاق الحقول والمواني النفطية حتى يتم التوصل إلى إتفاق لتقاسم عادل للموارد النفطية بين المناطق الليبية ، وتبع هذا الإعلان إقدام مجموعة من منطقة الواحات التي تعد أكبر المناطق انتاجا للنفط في ليبيا على وقف الانتاج في الحقول الموجودة في المنطقة.
▪︎ والسؤال ماهي أبرز المخاطر الناجمة عن نشوب الصراع على مصرف ليبيا المركزي وإقفال الحقول والمواني النفطية؟
#المخاطر الداخلية
وسط التداعيات الخطيرة والمتسارعة لازمة مصرف ليبيا المركزي وتعمد أغلاق الحقول والمواني النفطية، وإقدام الصديق الكبير على اقفال جميع منظومات المصرف المركزي بما فيها CHA,STGO, بدأت تظهر التداعيات الخطيرة لهذه الخطوة على إلاقتصاد الليبي، فقد توقفت الخدمات المصرفية في عدد من المصارف التجارية العامة والخاصة، ومحلات الصرافة،،علاوة على توقف منظومة حجز النقد الأجنبي للأغراض الشخصية، وجميع الخدمات المالية المقدمة مثل شراء العملة الصعبة، وقبول الصكوك وتنفيذ الحوالات الداخلية والخارجية، والاعتمادات المستندية مما اصاب القطاع المصرفي بالشلل التام.
وتظهر المخاوف أكثر من احتمال انعكاس هذه الأزمة على قطاعات خدمية حيوية اخرى مثل التعليم والصحة ،كما قد تؤدي إلى عجز الدولة عبر دفع الرواتب والايفاء بالالتزامات المالية تجاه المواطنين ومؤسسات الدولة. يقول مدير الصناديق الاستثمارية الليبية منذر الشحومي “ان أغلاق الصديق الكبير لجميع منظومات مصرف ليبيا المركزي أدى إلى حدوث ارباك كبير في تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، وتسبب في تعقيد الأوضاع الاقتصادية لأكثر من 6.8 مليون ليبي،مشيرا إلى أن استخدام مقدرات البلاد لمعاقبة المواطنين من اجل تحقيق منافع شخصية له، واصداره تعليمات للإدارة التنفيذية لمصرف ABC في لندن والبحرين بعدم التعامل مع مصرف ليبيا المركزي دون التشاور مع مجلس إدارة البحرين يعد ارتكابا لجريمة العقاب الجماعي للمواطنين واستغلال غير مشروع للوظيفة.”
وتبرز اهم المخاطر لهذه الأزمة في توقف أكثر من نصف انتاج ليبيا من النفط ،أو نحو 700 الف برميل يوميا
# وتعد(ازمة الوقود) احد الأزمات المصاحبة لازمة مصرف ليبيا المركزي واحد تداعياتها،حيث يصطف أصحاب السيارات امام محطات الوقود في طوابير تمتد لعدة كيلو مترات، للحصول على حاجتهم من البنزين، ورغم الوعود الحكومية بإيجاد حل جدري لهذه الازمة ،والحملات الأمنية المتواصلة للحد من التهريب، اتسعت ازمة الوقود هذه الأيام ووصلت الى حدتها،
مما يهدد بنوبة جديدة من عدم الاستقرار في بلد يعد اكبر منتج للنفط في أفريقيا، وواحد من اهم منتجي النفط في العالم.
#المخاطر الخارجية
يبرز الخطر الحقيقي الذي قد تصل اليه ازمة الصراع على منصب محافظ مصرف ليبيا المركزي في فقدان تقة المؤسسات المالية والمصرفية الدولية في النظام المالي والمصرفي الليبي مما يجعل المصرف المركزي ومؤسساته في عزلة تامة عن النظام المالي الدولي، وبالتالي يعرض الاموال الليبية في المصارف الدولية المستتمرة والمجمدة لمزيد من المخاطر من قبل المؤسسات المالية الدولية التي قد تعمد إلى اتخاد أجراءات عقابية تعرض هذه الأموال للحجز والتجميد، وربما تصل الى رفع قضايا تعويض تؤدي بها إلى النهب والسرقة ، بحجة الاخلال بمبدأ استقلالية المصرف المركزي، والجهات التابعة له.
وفي حال حدوث هذا لن يتمكن المصرف المركزي من الايفاء بالتزاماته تجاه الشركاء المحليين والدوليين ،وقد يتعرض لمساءلات قانونية من قبل الأطراف المستحقة للسداد، وهذه التخوفات هي التي دفعت المصرف الليبي الخارجي للتحدير من تبعات تأثير ازمة مصرف ليبيا المركزي على عمل المصرف الخارجي، ،وماقد ينتج عنه من تداعيات تقود الى تصنيف سلبي للمصرف الليبي الخارجي باعتباره البوابة المالية للقطاع المصرفي، والمعني بإيرادات النفط. واخطر المصرف الليبي الخارجي مصرف ليبيا المركزي بوجود أجراءات صارمة قد تتخد من قبل الخزانة الأمريكية ومؤسسات دولية اخرى ضد القطاع المصرفي في ليبيا.
يشير الخبير القانوني هشام الحراثي “أن كافة العمليات المصرفية المرتبطة بالتجارة الدولية التي من خلالها تستورد ليبيا كل البضائع تتم عن طريق منظومة مصرفية دولية، وكلما ترتفع حدة الصراع على مصرف ليبيا المركزي يرتفع معه حجم المخاطر، مما قد يدفع الشركاء الدوليين لتشديد أجراءات الرقابة،وتعقيد المعاملات المصرفية.التي لها علاقة بمصرف ليبيا المركزي والمؤسسات التابعة له.
إن توريط مصرف ليبيا المركزي في الخلافات السياسية، ،واقحام النفط الذي يعد مصدر الدخل الرئيسي لليبيين في اتون الصراعات المستفحلة بين افراد ومجموعات يتقاتلون للاستحواد على السلطة والمال ،يضع ليبيا في مأزق خطير جدا قد تنجم عنه عواقب وخيمة تؤدي إلى انهيار النظام المالي والاقتصادي في البلاد بشكل كامل. ويعبر عضو مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي السابق مراجع غيث عن هذه التخوفات بالدعوة لإبقاء مصرف ليبيا المركزي بعيدا عن الخلافات السياسية وحصر عمل المصرف في وظيفته المتعلقة بالأمور المالية، محذرا من العواقب التي قد تعود على البلاد،محدرا من المخاطر التي قد تعود على البلاد جراء غلق المصرف. ومنها عدم تمكنه من تحويل العملة الأجنبية إلى المصارف مما يجعلها غير قادرة على توفير الاعتمادات المستندية الخاصة بعمليات الاستيراد إذ تستورد ليبيا 98%من احتياجاتها من البضائع والسلع.
إن المرحلة القادمة ستكون حاسمة في تحديد مستقبل ليبيا، سواء باتجاه التهدئة او التصعيد،وهذا يتوقف على مدى جدية القابضين على مفاصل السلطة في العمل على انقاد البلاد من المأزق الخطير الذي آلت اليه، والذي يهدد امن وسلامة واستقرار ووحدتها.