يعم الفساد المالي والاداري كافة القطاعات والمؤسسات الخدمية في ليبيا تقريبا والتي تشكل عصب الحياة والعمود الفقري لبناء الدولة ،وتحقيق الرخاء والامن والاستقرار في ليبيا.
ولكن في ظل تعدد مراكز القوة في الدولة، وانقسام مؤسساتها، وانتشار الفوضى والسرقة التي وصلت الى مرحلة النهب الممنهج للمال العام والذي يعد من الجرائم الاقتصادية التي تعصف بالاقتصاد الليبي تاتي ظاهرة مايعرف ب(الموظفين الوهميين)،او (الموظفين الاشباح) الذين تعج بهم كل مؤسسات الدولة تقريبا ،لتضاف الى سلسة اخرى من الظواهر السلبية التي استفحلت في مفاصل الدولة ،
وتسببت في هدر المليارات من الدينارات، وانهكت الخزينة العامة، وخلقت حالة من التذمر لدى المواطنين بسبب انتشار هذا النوع من الفساد ، على حساب من يستحقون الحصول على وظائف، وفي ظل عجز السلطات التنفيدية والرقابية عن التصدي لهذه الظاهرة ،التي انتجت وجود عشرات الالاف من الموظفين الوهميين في اجهزة الدولة.
بيع الوظائف
تباع الوظائف العامة في ليبيا بطرق مختلفة وبمقابل مادي من بينها عبر الوسطاء الذين عادة ما يتم منحهم راتب اول شهرين للموظف الذي يتم تزكية طلبه عبر احد المتنفدين او المسئولين في الدولة ..
ولايقتصر الحصول على الوظائف الوهمية عبر المتنفدين والمعارف بل توجد ايضا مكاتب خاصة توفر فرص عمل للراغبين عن طريق التحايل ،مقابل دفع مبالغ مالية محددة ، ويندرج هذا التعيين ضمن مايعرف بالموظفين الوهميين،او الموظفين الاشباح الذين يتقاضون رواتب شهرية ،دون ان يكون لهم اي حضور فعلي.
يؤكد علي صالح المسؤول السابق بوزارة العمل والتأهيل ان هؤلاء (الموظفون) يحصلون على رواتب شهرية دون عمل، ومن بينهم ليبيون مقيمون خارج البلاد يحصلون على رواتب شهرية باعتبارهم موظفين حكوميين.،
كما ان هناك موظفون كانوا يعملون في بعض السفارات الليبية في الخارج مستمرون في تقاضي مرتباتهم رغم انقضاء فترة عملهم في هذه السفارات ،وهناك ايضا طلبة انتهت فترة دراستهم في الخارج وتم وضع اسماء اشخاص غيرهم لتصرف لهم نفس المنح .
لقد لعبت المحاصصة المناطقية والمحاباة في التعيين، والتكليف بالوظائف القيادية على حساب التخصص والكفاءة ،وعدم الالتزام بالشروط القانونية والمالية في التعيين ،علاوة على انتشار ثقافة نهب المال العام التى لعبت دورا كبيرا في انتشار هذه الظاهرة ،مما جعل عدد الموظفين في الدولة يصل الى 29%من إجمالي عدد المواطنين الليبيين .
في العام 2021 لم يتجاوز عدد الموظفين العاملين 900الف مواطن ،بينما قفز العدد الى اكثر من 2مليون موظف في نهاية العام 2022.وبلغ اجمالي الرواتب فس العام 2022 51 مليار دينار ،مقارنة ب 33مليار دينار في العام 2021.
في العام 2023 وصل اجمالي عدد الموظفين في الجهات العامة بالدولة الى 2مليون و 29الف و 539 موظف.ووصل اجمالي مايتقاضونه من مرتبات الى 33مليار و100مليون دينار ليبي أي بزيادة تصل الى 5مليار و 800مليون دينار عن العام 2020.
ووفق مدير ادارة الاحتياط العام بوزارة التعليم حسن عطية ان الوزارة احصت في العام 2021 وجود 59 الف موظف يتقاضون رواتب دون عمل ،وان هذا العدد الضخم من الموظفين الوهميين يكلفون خزينة الدولة 3 مليارات دينار سنويا .
وجاء في تقرير ديوان المحاسبة لسنة 2022 ، ان وزارة المالية قامت باحالة مرتبات لبعض المراقبين الماليين العاملين بالسفارات والبعتات الليبية رغم انتهاء فترة عملهم .
ويكشف تقرير ديوان المحاسبة الاخير عن حجم هائل من الفساد المالي والاداري الذي تعيينات وهمية في كافة قطاعات الدولة ،وهناك عدد من الموظفين مما يعملون في البعتات او القنصليات او الشركات الليبية في الخارج،ويتقاضون مرتبات بالعملة الصعبة.
وفي نفس الوقت مستمرون في تقاضي مرتباتهم السابقة في ليبيا .كما ان هناك طلبة تم ايفادهم للدراسة في الخارج ،ويتقاضون منح دراسية في الدول التي يدرسون بها ،ومستمرون في تقاضي مرتباتهم في ليبيا .
تستمر عدة جهات حكومية ،سواء من قبل حكومة الوحدة الوطنية ،او من قبل الحكومة الموازية في المنطقة الشرقية في القيام بالتعيينات الوهمية لشراء الولاءات ،وكسب التأييد والرضاء القبلي والمناطقي، علاوة على المحاصصة بين المناطق في تشكيل الحكومات ،مما جعل كل منطقة تسعى الى نيل (حصتها) في الوظائف العامة بواسطة مالديها من وزراء ومسئولين كبار في الحكومة.
.يشير استاذ الاقتصاد بجامعة طرابلس احمد ابولسين الى ان كل منطقة تقوم بتعيينات عشوائية في الوزارة التي يرأسها احد المنتمين اليها من اجل الحصول على الاموال الحكومية بشتى الطرق . وفي ظل واقع المحاصصة المناطقي،يتم التستر على الموظفين الذين تم تعيينهم بالمخالفة، في عملية الالتزام بالحضور ،ويتم منحهم استمرارية عمل، وتقارير كفاءة ،وهم منقطعون تماما عن العمل لسنوات طويلة (موظفون وهميون).علاوة على ذلك ،لاتوجد اسس سليمة وواضحة لمعالجة الباحتين عن عمل ،وعدم وجود تنسيق حقيقي بين مخرجات التعليم وخطط استيعاب الخريجين الجدد بالوظائف المختلفة .
وقد تسببت ظاهرة الموظفين الوهميين في تشوه بنية الاقتصاد الوطني ،والترهل في الجهاز الاداري، واستنزاف الخزينة العامة للدولة ،ومن الصعب القضاء على هذه الظاهرة في ظل حالة الانقسام السياسي، وتعدد الحكومات ، والولاءات ،واستحواذ مناطق واطراف معروفة على كل مقدرات الدولة الليبية .
بقلم: الدكتور .مسعود المهدي السلامي؛ أستاذ الاقتصاد السياسي