Skip to content

كارثة الثروة الحيوانية تفاقم أزمة الغذاء في ليبيا

في قلب دولة نفطية غنية بالموارد مثل ليبيا، تكشف أزمة اللحوم عن تناقض صارخ بين ما تمتلكه البلاد وما يعانيه شعبها. اليوم، يواجه المواطن الليبي أزمة معيشية خانقة، حيث تحوّلت اللحوم الحمراء من غذاء رئيسي إلى حلم بعيد المنال، يقتصر على المناسبات الاستثنائية للأسر ذات الدخل المحدود.

“لا يمكنني تحمل هذه الأسعار”، هكذا تحدث موظف حكومي وأب لأربعة أطفال، ملخصًا معاناة قطاع كبير من الليبيين الذين باتوا يقفون أمام محلات بيع اللحوم كما لو أنهم يشاهدون سلعة ذهبية لا يمكنهم اقتناؤها. براتب شهري لا يتجاوز 1000 دينار، يواجه هذا الأب معضلة حقيقية: “إذا اشتريت 3 كيلوغرامات من اللحم، يعني أن ربع المرتب ذهب“، قالها بنبرة مليئة بالحسرة.

رغم أن ليبيا واحدة من أكبر منتجي النفط في العالم، إلا أن واقع مواطنيها يحكي قصة مختلفة تمامًا. دخل محدود، وارتفاع جنوني في الأسعار، وأسواق فوضوية تفتقر إلى الرقابة، جعلت من اللحوم سلعة تُباع وكأنها تحف ثمينة. هذا الواقع المرير دفع الأسر الليبية إلى تقليل استهلاك اللحوم، واستبدالها ببدائل أقل تكلفة مثل الدجاج، رغم أن سعره أيضًا شهد قفزة غير مسبوقة ليصل إلى 12 دينارًا للكيلوغرام.

ربة منزل تحدثت بمرارة عن معاناة أسرتها، قائلة: “الأسعار المرتفعة أجبرتنا على تقليل استهلاك اللحوم. حتى الدجاج لم يعد خيارًا اقتصاديًا كما كان في السابق”.

تراجع الثروة الحيوانية في ليبيا كان له تأثير مدمر على سوق اللحوم. فقد شهدت البلاد نفوق أعداد هائلة من الماشية بسبب انتشار الحمى القلاعية، فضلًا عن تأثير كارثة درنة التي اجتاحت شرق البلاد وتسببت في خسائر هائلة.

يرى خبراء الاقتصاد أن غياب الخطط الحكومية لتعزيز إنتاج الثروة الحيوانية جعل السوق الليبي خاضعًا لقوانين العرض والطلب، حيث يتحكم الموردون والتجار بالأسعار دون أي رقابة تُذكر.

من جهة أخرى، لا يزال التدخل الحكومي لمعالجة هذه الأزمة “خجولًا”، إن لم يكن غائبًا تمامًا. يقول أحد الجزارين في طرابلس: “المطلوب تدخل حكومي جاد لدعم المربين أو تسهيل عمليات الاستيراد، لكن حتى الآن، لا نرى أي خطوات فعلية على الأرض“.

على الرغم من ارتفاع قيمة واردات اللحوم إلى 520 مليون دولار في عام 2023، بزيادة ملحوظة عن العام السابق، إلا أن المواطن الليبي لا يزال يعاني من أسعار خيالية، في ظل سوق يشوبه التلاعب وغياب التنظيم.

مع اقتراب شهر رمضان، تزداد التوقعات بارتفاع أسعار اللحوم بنسبة تصل إلى 20% بسبب زيادة الطلب. هذا الارتفاع سيضيف عبئًا إضافيًا على كاهل الأسر الليبية، التي بالكاد تستطيع توفير احتياجاتها الأساسية.

يرى المحللون الاقتصاديون أن الفوضى في الأسواق، وقلة التنظيم في عمليات الاستيراد والتوزيع، هي أسباب رئيسية وراء ارتفاع الأسعار. ومع نقص الشركات المعتمدة لاستيراد اللحوم، تزداد التحديات التي تواجه المواطنين يومًا بعد يوم.

في ظل هذه المعطيات، يبدو أن أزمة اللحوم في ليبيا ليست سوى جزء من أزمة أعمق تعاني منها البلاد، حيث تتداخل الأزمات الاقتصادية مع غياب الإرادة السياسية، مما يحرم المواطنين من أبسط حقوقهم المعيشية. وبينما تستمر أسعار اللحوم في الارتفاع، يظل المواطن الليبي يترقب حلولًا قد لا تأتي أبدًا.

المصدر: أخبار ليبيا 24

 

أشهر في موقعنا