Skip to content

ليبيا :ملف توطين العلاج في الداخل: الأهمية والحلول

تعاني ليبيا منذ سنوات طويلة من مشكلة علاج المرضى في الخارج ،الذي يكلف الخزينة العامة اموالا طائلة سنويا ،تصل الى مليارات الدولارات والتي تصرف في علاج حالات الامراض المستعصية ، وجرحى الحروب ، الذين تتكفل الدولة بعلاجهم ،لعدم قدرة المرافق العلاجية العامة والخاصة في ليبيا على علاج مثل هذه الحلات المرضية، نتيجة تهالك البنية الصحية في ليبيا ،وتفشي سوء الادارة والفساد الاداري والمالي في قطاع الصحة، كما هو حال غيره من القطاعات الاخرى ،بالاضافة الى النقص في الكوادر الطبية والطبية المساعدة المؤهلة والكفؤة في المستشفيات العامة للدولة ،بالاضافة ارتفاع تكلفة العلاج في المصحات الخاصة،التي تفتقر هي ايضا لجودة الخدمة الصحية .

ويتم سنويا ارسال المئات من المرضى للعلاج على حساب الدولة ،بالاضافة الى المئات غيرهم ممن يذهبون للعلاج على حسابهم الخاص في دول مثل تونس وتركيا والاردن ومصر .ودائما مانجد المرضى الليبيين في الخارج يعانون من الاستغلال وسوء المعاملة ،وتضخم فواتير العلاج ،الناجمة عن التواطؤ او الاهمال ،او كلاهما معا من المشرفين ،والمكاتب الصحية الليبية في الدول التي يتم العلاج فيها ،مما يعطي مؤشر سلبيا على انهيار هذا القطاع ، ويكشف جانبا آخر من جوانب فساد العلاج في الخارج .

أهمية توطين العلاج بالداخل :

تشكل نفقات وفواتير العلاج في الخارج نزيفا مستمرا لخزينة الدولة ،حيت بلغت ديون العلاج حسب بعض التقديرات خلال سنوات معدودة اكثر من مليار دينار، مما دفع بعض الدول الى التهديد بوقف علاج المرضى الليبيين(مثلما حدث مع المرضى الليبيين في الاردن ) مالم يتم تسديد الديون المستحقة عليهم .

وحسب بعض الاحصائيات الرسمية  وصلت ديون علاج المرضى الليبيين في الاردن في العام 2022 الى 700ىمليون دينار ،وفي تونس 400ىمليون دينار ،وفي مصر 150 مليون دينار ،فيما بلغ إجمالي إنفاق الدولة الليبية على العلاج بالخارج سنة 2019 على سبيل المثال 239 مليون دينار .

على صعيد آخر ،كشفت تحقيقات النيابة العامة عن وقائع فساد كبرى ،وتزوير في ملف علاج اطفال التوحد ،ومرضى الاورام في المستشفيات الاردنية بهدف تحصيل مبالغ مالية تقدر ب 436 مليون دولار امريكي .كما تم الكشف عن وقائع فساد مماتلة في ملف العلاج في دول اخرى منها ايطاليا والمانيا وبلجيكا.

فقد كشفت التحقيقات التي قامت بها النيابة العامة مؤخرا عن تورط السفيرة الليبية بدولة بلجيكا بتحويل مبلغ يقدر ب 200 الف يورو من حساب علاج مرضى الاورام ببلجيكا ، الى حساب شركة يملكها ابنها.

ولعل من ابرز قضايا الفساد التي مرت على قطاع الصحة هي قضية ايقاف وزير الصحة السابق ومسئولين اخرين بالوزارة ،واحالتهم الى التحقيق على خلفية اتهامات باختلاس مبلغ 600 مليون دينار من حسابات وزارة الصحة .

وسبق هذه القضية اتهامات في قضية اخرى تورط فيها وكيل وزارة الصحة الاسبق محمد هيثم الذي وجهت له تهمة اختلاس وتهريب مايصل الى 300 مليون دولار من حسابات وزارة الصحة المخصصة للعلاج في الخارج ، علاوة على ذلك فإن المرضى الليبيين بالخارج يعانون من الاهمال، والتعقيد في الاجراءات الادارية ،وسوء المعاملة سواء من قبل السفارات والملحقيات الصحية في الدول التي يعالجون فيها ،او من قبل المصحات التي تستقبلهم .

قضية أمن قومي:

ان توطين العلاج في الداخل اصبح قضية امن وطني، وقضية امن اقتصادي ،يستدعي التصدي له لايقاف نزيف سرقة ونهب الملايين من العملة الصعبة،من قبل المصحات بالخارج بالتواطؤ مع بعض الاشخاص في السفارات الليبية التي يعالج فيها هؤلاء المرضى.

يرى استاذ الاقتصاد بجامعة مصراته عبد الحميد فضيل ان حجم الفوائد الاقتصادية التي تتحقق من وراء توطين العلاج في الداخل تفوق كتيرا الموارد المالية التي تتطلبها خطة توطين العلاج في الداخل. ويرى بعض المتخصصين الماليين انه لايمكن وقف العبث والسرقة في ملف العلاج في الخارج مالم يتم العمل على توطين العلاج في الداخل .

وفي هذا الاتجاه تسعى حكومة الوحدة الوطنية الى الرفع من كفاءة قطاع الصحة ،والعمل على توطين العلاج في الداخل ،حيث ثم عقد المؤتمر الدولي الاول لتوطين العلاج ،

كما قامت بانشاء جهاز دعم وتطوير الخدمات العلاجية ،ضمن مشروع عودة الحياة ،والتي تسعى من خلاله إلى إنشاء 49 مرفقا طبيا ,وصيانة 40 مرفقا اخرين .كما تعمل الحكومة على إطلاق خدمة الطبيب الزائر من المتخصصين الزائرين من بعض الدول العربية وغير العربية ،خاصة في التخصصات التي تحتاجها المستشفيات الليبية ،الى جانب العمل على انشاء جهاز متخصص يتولى مسئولية إستيراد الادوية

علاوة على ذلك تقوم الجهات الصحية والرقابية المختصة بمراجعة ملفات المصحات الخاصة، والقيام بجولات تفتيش على هذه المصحات للتاكد من مدى مطابقتها للشروط الموضوعة لعملها ،

وفعلا اسفرت هذه الجولات على قفل العشرات من هذه المصحات . ويترافقو مع ذلك كله سعي الحكومة الى ارسال العشرات من الكوادر الطبية والطبية المساعدة للتدريب في بعض الدول المتقدمة في هذا الاختصاص .

وهذه الجهود التي تبذلها حكومة الوحدة الوطنية في تجاه توطين العلاج في الداخل هي معرضة للفشل نتيجة الصعوبات الكبيرة التي تواجهها بسبب حالة الانقسام السياسي التي تسببت في انهيار متظومة الصحة في ليبيا ،وحجم الفساد والمصالح التي تستفيد منها اطراف وقوى نافذة بالداخل الليبي ،

كما ان المتنفدين في قطاع الصحة هم من يقفون وراء عدم توطين العلاج في الداخل ،لتحقيقهم مكاسب مالية من وراء العلاج في الخارج.

الحلول: 

ولنجاح عملية توطين العلاج في الداخل لابد من العمل على تحديث السياسات الصحية ،ووضع استراتيجية شاملة للنهوض بقطاع الصحة ،لان ذلك سيسهم في تخفيض الاعباء الضخمة التي تتكبدها خزينة الدولة من تلك التي تنفق على العلاج في الخارج .

الدكتور .مسعود المهدي السلامي: أستاذ .الاقتصاد السياسي 

أشهر في موقعنا