على مدى سنوات عديدة، استعرضت الشركات العالمية وخصوصا الأمريكية عملياتها في الصين باعتبارها مصدرا قويا للنمو.
كانت هناك عوامل ساعدت في جذب تلك الشركات للاستفادة من الاستثمارات في الصين وهي: الطبقة المتوسطة المزدهرة، وتدفق الناس إلى المدن، وإنشاء خدمات جديدة لتلبية احتياجاتهم، إلى جانب الوعد بمزيد من الانفتاح في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
ثم ضرب كوفيد الصين فعزلها عن العالم، وتدهورت العلاقات بين الولايات المتحدة والصين. وبعد عقود من النمو السريع، أصبح اقتصاد الصين عالقا، مع تزايد المخاوف بشأن ما قد يحرك المرحلة التالية من نموه.
رغم اعتراف المسؤولين الصينيين بتعثر الاقتصاد، فإنهم كانوا مترددين في اتخاذ أكثر من خطوات تدريجية لعكس هذا الاتجاه. وما زاد الطين بلة، أن إجراءات الحكومة الصارمة على شركات الإنترنت والتدابير التي تهدف إلى انفجار فقاعة العقارات في البلاد تركت ندوبا عميقة في نفوس الأسر والشركات، بحسب مجلة “بارونز” الأمريكية.
أعادت الشركات متعددة الجنسيات الآن النظر في عملياتها الصينية وخففت من توقعاتها، حيث قلصت شركة ماريوت إنترناشونال للضيافة معدل نمو إيراداتها العالمية لكل غرفة متاحة، مشيرة إلى استمرار الضعف في الصين والتوقعات بأن الطلب قد يضعف أكثر في الربع الثالث.
بينما سجلت شركة كيرينج، مقرها باريس وتضم العلامات التجارية جوتشي وسان لوران، انخفاضا بـ 22 % في المبيعات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، باستثناء اليابان، في النصف الأول وسط ضعف الطلب في منطقة الصين الكبرى، التي تشمل هونج كونج وماكاو.
كانت ضغوط الأسعار والانكماش من الموضوعات الشائعة في النتائج الفصلية. ووصفت شركة ستاربكس، التي ساعدت في بناء ثقافة القهوة في الصين على مدى الـ25 عاما الماضية، ذلك بأنه أحد أبرز التحديات الدولية التي واجهتها حيث سجلت انخفاضا قدره 14 % في المبيعات من هذا العمل.
ومع إعادة المستهلكين الصينيين النظر فيما إذا كانوا سينفقون الأموال على كوب لاتيه من ستاربكس، زاد المنافسون مثل لوكين كوفي من الضغوط على الشركة. قال مسؤولون تنفيذيون في ستاربكس إن “توسع (المنافسين) غير المسبوق في المتاجر وحرب الأسعار أضرا بالأرباح وتسببا في اضطرابات كبيرة في بيئة التشغيل”.
أضف إلى ذلك حالة عدم اليقين الناجمة عن تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، وابتعاد كثير من المستثمرين، إذ فقد صندوق iShares MSCI China المتداول في البورصة نصف قيمته منذ مارس 2021. كانت محاولات التعافي قصيرة الأجل. والآن تتسلل بعض هذه المخاوف إلى السوق الأمريكية.
تقول مارجريت فيترانو، المديرة المشاركة في شركة كلير بريدج إنفستمنتس في نيويورك: “قبل عقد، كان الانكشاف على الصين (بالنسبة إلى شركة عالمية) وسيلة لزيادة نمو الإيرادات في محفظتنا الاستثمارية. نريد الآن إدارة أخطار الانكشاف على الصين”.
في الوقت الحالي، تتقدم الصين ببطء نحو مستهدف النمو 5 %. ويعيد المستهلكون الصينيون المتضررون النظر في عادات الإنفاق. كما أن الشركات التي تشعر بالقلق إزاء عدم اليقين السياسي مترددة في الاستثمار والتوظيف.
التحدي الآخر الذي تواجهه الشركات متعددة الجنسيات خارج الصين هو المنافسة الشديدة مع زيادة ابتكار الشركات الصينية وتوسعها بدعم من الحكومة. وغالبا ما تكون الشركات الصينية أسرع من منافسيها العالميين في تسويق المنتجات الجديدة.
وبينما تتخلى بعض الشركات عن الصين، لا تظهر بعضها أي علامات على خفض الاستثمار، إذ لا يزال معظم المديرين التنفيذين في شركات التجزئة والاستهلاك العالمية الكبرى يصف الصين بأنها سوق نمو طويل الأجل، كما تقول دانا تيلسي، الرئيس التنفيذي لمجموعة تيلسي الاستشارية.