Skip to content

هل تعيق الخلافات السياسية مجهودات زيادة الإنتاج وتطوير قطاع النفط في ليبيا؟

يتعرض قطاع النفط والغاز في ليبيا منذ سنوات لخسائر متعددة، ويدفع ثمنا كبيرا ، نتيجة الصراع ، ،والخلافات المستمرة بين الاطراف القابضة على المشهد السياسي في ليبيا،التي يحاول كل منها السيطرة على عائدات النفط، والتحكم في إدارته.

وقاد الصراع أكثر من مرة إلى توقف الانتاج، وغلق الحقول النفطية، واقتحام ومحاصرة أغلب الحقول النفطية، مما أجبر أغلب الشركات النفطية الأجنبية على التوقف عن الإنتاج، ومغادرة ليبيا، مما تسبب في انخفاض كميات النفط الى 250000 برميل يوميا ،اي بما يصل حسب تقدير بعض الاطراف الليبية الى ضياع 75% تقريبا من القدرة الانتاجية لليبيا، وبالتالي حرمان ليبيا من عشرات المليارات من العملة الاجنبية، التي ضاعت نتيجة هذا الصراع .
ورغم أنه ثم في اوقات سابقة التوصل إلى توافقات سياسية على تحييد النفط، وعدم الزج به ،واخده رهينة للانقسام والصراعات السياسية، و الذهاب إلى تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وما تلا ذلك من خطوات مثل :رفع حالة القوة القاهرة عن الحقول النفطية، ثم إقالة مصطفى صنع الله كرئيس للمؤسسة الوطنية للنفط واستبداله بفرحات بن قداره، والتوجه إلى إعادة هيكلة المؤسسة، إلا ان نوبات الصراعات والمناورات السياسية، لم تخفت في اي وقت، من أجل السيطرة على عائدات النفط، التي تمثل حلقة من حلقات الصراع في ليبيا .

مجهودات زيادة الإنتاج:

تعمل المؤسسة الوطنية للنفط بشكل حتيت على زيادة القدرة الانتاجية الى 100 الف برميل يوميا ،ليصل كامل الانتاج الى مليون و300 الف برميل يوميا مع نهاية العام الحالي 2023، كما تعمل المؤسسة على إعادة مستويات الانتاج الى ماقبل العام 2011،والبالغة مليون و600 الف برميل يوميا.
وتؤكد مؤسسة النفط ان الهدف الاساسي الذي تسعى لتحقيقه هو الوصول بالانتاج الى مستوى 2 مليون برميل نفط يوميا في غضون 3الى 5 سنوات .
ولتحقيق هذا الهدف تم وضع خطة تتضمن إنفاق 16مليار و900مليون دولار لتطوير 45 حقلا للنفط والغاز ،إلى جانب إجراء صيانة ضخمة لبعض الحقول الاخرى ،والموافقة على اول جولة تراخيص دولية منذ العام 2007،بما يفسح المجال لقدوم العديد من الشركات العالمية التي تسعى للعمل في ليبيا مثل الشركات الروسية والصينية .
على نفس الصعيد ،قدمت المؤسسة الوطنية للنفط خلال الاجتماع الذي عقده المجلس الاعلى لشؤون الطاقة عرضا يتعلق بخطة لتنفيذ المشاريع الاستراتيجية التي تهدف الى زيادة الانتاج،وتفعيل المصانع بمجمع رأس لانوف الصناعي .وحسب تقرير جريدة (اراغوس )البريطانية ان المؤسسة الوطنية للنفط تعمل بشكل فعّال على إحياء الابار المغلقة وتشغيل عددا من الحقول الجديدة ، بالاضافة الى زيادة نسبة مشاركة القطاع الخاص في تطوير انتاج النفط والغاز خاصة في الحقول المهمشة والتي سيكون لها الدور الاكبر في زيادة الانتاج .
وقد اتمرث هذه الجهود كلها الى عودة انتاج النفط لمستواه السابق بشكل تدريجي ،حيث تعمل الشركات النفطية على زيادة قدراتها الانتاجية والاستكشافية، على سبيل المثال ، اعلنت شركة سرت للنفط ان معدل انتاجها وصل الى 93500 برميل يوميا من الحقول التابعة للشركة ،كما اعلنت المؤسسة الوطنية للنفط ان اول شحنة من النفط الخام الذي تم انتاجه من حقل (ايراون)بواسطة شركة زلاف والتي تم شحنها تقدر ب 600الف برميل ،ضمن خطة الانتاج المبكر من أبار حقل ايراون النفطي التابع للشركة .كما اعادت شركة رأس لانوف لتصنيع النفط والغاز تشغيل مصنع البولي ايتلين ،بعد توقف استمر 12 عاما ،ليصل معدل انتاج المصنع الى 240طنا يوميا .كما حقق حقل الراقوبة النفطي معدل إنتاج بلغ 13300 برميل من النفط الخام ،وهو معدل لم يصل الحقل الى انتاجه منذ العام 2011.وبعد تشكيل المجلس الاعلى للطاقة برئاسة عبد الحميد الدبيبة ثم البدء في وضع خطط المدى للتعاون النفطي مع دول اخرى اهمها ايطاليا واسبانيا،وايضا الجزائر التي اعلنت ان شركتها العملاقة للغاز بدأت في العودة للعمل والاستثمار في ليبيا .

التجاذبات السياسية تستهدف قطاع النفط 

في الوقت الذي تعمل فيه المؤسسة الوطنية للنفط والشركات التابعة لها على زيادة الانتاج،وتطوير الحقول النفطية ،وتوسيع مشاركة القطاع الخاص ،نشبت الخلافات (مرة اخرى) بين الاطراف السياسية حول من يسيطر على قطاع النفط ،فقد قضت محكمة اجدابيا الابتدائية بإبطال الدعوى المقدمة من حكومة الوحدة الوطنية والمؤسسة الوطنية للنفط بوقف تنفيد الحكم الصادر من قبلها ،بالحجز على إيرادات النفط لصالح الحكومة الموازية.وحسب رئيس هذه الحكومة (اسامة حماد) ان الحجز على إيرادات النفط جاء لوقف إهداره ،إلى حين ترتيب الميزانية العامة واستيفاء حقوق جميع المدن .
وكان رئيس الحكومة الموازية هدد اكثر من مرة بوقف تصدير النفط في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومته، مؤكدا انه اذا لزم الامر فإن حكومته (الموازية )سترفع (الراية الحمراء )،وتمنع إنتاج وتصدير النفط باللجوء الى القضاء واستصدار أمر بإعلان القوة القاهرة .
من جهة تانية ،رفضت اللجنة التشريعية بمجلس النواب مشروع القانون المحال لها ،والقاضي بنقل تبعية الاشراف على المؤسسة الى( المجلس الاعلى للنفط) الذي يرأسه عبد الحميد الدبيبة بدلا من وزارة النفط. وقد اكد عددا من خبراء النفط ان نقل صلاحية الإشراف على المؤسسة من وزارة النفط الى المجلس الاعلى للنفط يعطي مجلس الوزراء صلاحيات اعتماد الاتفاقيات النفطية وتعديلها ،ويحول مؤسسة النفط من مؤسسة عامة الى شركة تجارية قابضة ،ويجعلها بعيدة عن الإشراف والمتابعة،ودون ظوابط حقيقية .
لاشك ان الصراع بين الاطراف السياسية حول من يسيطر على مورد النفط ،والذي يشكل 95% من موارد الخزينة العامة للدولة الليبية ،يجعل هذا القطاع اسير الخلافات السياسية ،وقد يفشل خطط تطوير الاستكشاف والانتاج التي تعمل مؤسسة النفط على تنفيدها .
من جهة تانية، تسبب الصراع بين الاطراف السياسيه إلى استغلال شركات النفط العالمية العاملة في البلاد هذا الوضع، حيث قامت عدة شركات أجنبية والتي تركت أعمالها بليبيا، وانسحبت بحجة تردي الأوضاع الأمنية إلى رفع قضايا تعويض ، فيما تقوم شركات اخرى بمحاولة التملص من تنفيذ التزاماتها التعاقدية المتعلقة بالانتاج والاستكشاف، و السعي لتحقيق مزيد من المكاسب المادية.
وقد اتهم وزير النفط والغاز محمد عون في مقابلة مع وكالة (ستاندرد اند بورز )البريطانية بعض شركات النفط، بما فيها شركتي ايني الايطالية و برتش بتروليم البريطانية باستغلال الخلافات السياسية لتأخير خططها التنموية ،والتفاوض على شروط تعاقدية افضل، و هذه الشركات حسب عون ليست في عجلة من امرها ،وتتعمد التراخي في تنفيذ التزاماتها في مجال الاستكشاف والانتاج .

بقلم: الدكتور مسعود المهدي السلامي أستاذ الاقتصاد السياسي 

أشهر في موقعنا